اتفاق " ناقل البحرين " ..جزء من ترتيبات سياسية
وقعت كل من الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي اتفاقا في مقر البنك الدولي بواشنطن لربط البحرين الأحمر والميت، في خطوة أحتفلت بها “إسرائيل”،فيما حاول الجانبين الأردني والفلسطيني تبريرها بإنقاذ البحر الميت وحل جزء من مشكلة المياه وغيرها من المنافع الاقتصادية كإستغلال جر المشروع سياحياً.
شالوم: توقيع الاتفاق "حدث تاريخي ويحقق حلم الأب الروحي للحركة الصهيونية تيودور هرتسل"
في الكيان الإسرائيلي،إعتبر وزير التعاون الإقليمي سيلفان شالوم توقيع الاتفاق "حدثا تاريخياً بامتياز"،مشيراً الى أنه "يحقق حلم الأب الروحي للحركة الصهيونية تيودور هرتسل"،وأكدت الصحف العبرية وعلى مدى أسبوع بأن الاتفاق "هام" وذو دلالات سياسية عميقة،منوهة الى زيارات متبادلة سرية عديدة اسفرت عن ما وصفته بـ"الصفقة"!.
هنا،أكد وزير المياه والري الدكتور حازم الناصر عقب توقيع الاتفاقية بان ناقل البحرين يعد أحد أهم المشاريع المائية الاستراتيجية الحيوية،إذ يحصل الأردن منه على نحو 100 مليون متر مكعب من المياه ،يمنح نصفها للكيان الاسرائيلي لتغذية النقب مقابل تعويضه بذات الكمية من بحيرة طبريا شمالاً،وبذات الطريقة رحب وزير سلطة المياه الفلسطيني شداد العتيلى بما جرى معقباً:"الاتفاق أظهر أننا نستطيع العمل معا"،فيما كشفت الصحافة العبرية التي كانت السباقة كالعادة بنشر تفاصيل الاتفاق عن بيع (وليس منح)الكيان الاسرائيلي السلطة الفلسطينية بموجب الإتفاق كميات من المياه تتراوح بين عشرين وثلاثين مليون متر مكعب سنويا من المياه المحلاة في العقبة.
الاتفاق يعكس ما يجري وراء الأبواب المغلقة من ترتيبات يبدو أنها وصلت حد البدء بتوزيع الجوائز
منطقياً،ولأن المشروع إستراتيجي وضخم وأكبر من قدرات الأطراف الثلاثة مالياً، وطالما كانت تلوح به أمريكا ومن خلفها كأحد الجوائز الهامة للمنخرطين في التسوية، فإن من العبث قراءته فقط في أبعاده الاقتصادية والمائية والبيئية فحسب.
وبصرف النظر عن الجدل حول جدوى المشروع إقتصادياً وما إذا كان ينطوي على مخاطر جيولوجية وبيئية،وعدالة توزيع ثماره ،فإن الإخراج المفاجيء للاتفاق الذي تواصلت الجهود الإسرائيلية لتحقيقه منذ القرن الماضي ،والتوقيت الذي جاء عقب أيام فقط من تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوصول مفاوضات التسوية "مرحلة غير مسبوقة"،يؤكد بإن توقيع الاتفاق يحمل دلالات سياسية تعكس ما يجري وراء الأبواب المغلقة من ترتيبات يبدو أنها وصلت حد البدء بتوزيع الجوائز.
الاتفاق يأتي في ظل جهود أمريكية محمومة لتصفية القضية الفلسطينية إستثماراً للظرف الاقليمي الراهن.
وبشأن التوقيت، فإذا لم يكن الاتفاق ذا دلالة سياسية، فلماذا تم التوقيع عليه الآن في ظل جولات كيري المكوكية في المنطقة والتي سجلت الرقم 9 الخميس الماضي،وحديثه عن ترتيبات لاتفاق شامل.
حتى إذا لم تكن الأمور وصلت إلى المستوى الذي عبر عنه كيري، فإنها بالتأكيد وصلت إلى مرحلة ربط الأطراف الثلاثة من خلال صيغة اتفاق تحاول أمريكا إنجازه مستغلة الظرف الإقليمي .
ومن نافلة القول والحال كذلك، الإشارة إلى أن "إسرائيل" ستكون الرابح الأكبر في ظل تفكك مراكز الثقل العربي (في مصر وسوريا والعراق)، وسيطرة أولوية مواجهة الخطر الإيراني على اهتمام دول الخليج، وتفرد الأردن والسلطة الفلسطينية بادارة ملف القضية "الام" في هذه اللحظة التاريخية،وسيطرة تقدير لدى بعض القادة العرب بأن إنهاء القضية في هذه المرحلة لن يكون صادماً للرأي العام الجريح والمحبط.
ما حاجة الكيان الاسرائيلي للمياه في الجنوب وهل ثمة علاقة بمشاريع التهجير وتوطين اللاجئين؟
وبخصوص مكاسب الاحتلال،فعوضاً عن 50 مليون متر مكعب من المياه (ربما تستخدم في مشروع تهويد النقب ومصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيين منها،بل وأحتمال توطين اللاجئين على جانبي وادي عربة)،فمجرد توقيع اتفاق من هذا النوع هو اختراق سياسي إسرائيلي للوطن العربي، يصنف تطبيعاً، ناهيك عن أنه يوحي بأن الاحتلال قد التزم بإعادة الأرض والمقدسات واحترم سيادة الدولة الجديدة وكافة الحقوق الرئيسة الأخرى.
من استشار الشعب الاردني في هكذا مشاريع تدشن في السر وبعيداً عن رقابة الشعب؟
وبعيداً عن مناقشة شرعية إبرام مثل هكذا اتفاقات بعيداً عن أعين الشعب الاردني ودون مجرد استشارته فان المشكلة الاكبر فيما إذا كان مشروع جر المياه هذا وغيره من المشاريع المشتركة يهدف الى جر الاردن لدور في ترتيبات ما يوصف بالحل النهائي.
العجيب بأن الأنباء بل والإشاعات عن ترتيبات أردنية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لطالما كانت مثيرة للرأي العام ،لا سيما عند ربطها بهواجس الوطن البديل أو الفدرالية أو الكونفدرالية أو حتى الوجود الأمني في الضفة ،لكن الدور الأردني الراهن في ما يمكن وصفه باقفال مشهد التسوية يبدو أنه يمر بهدوء هذه المرة ،بعد الإشارات العديدة التي تؤكد بان حسابات الرأي العام لم تعد في وارد اصحاب القرار.
ومما يزيد من القلق موافقة الإتحاد الأوربي على مناقشة رزمة حوافز للمنخرطين في التسوية الإثنين ،وحديث الجانب الإسرائيلي عن "موافقة الأردن على تواجد قوات إسرائيلية في غور الاردن للحفاظ على الأمن في المنطقة"،بحسب صحيفة "معاريف" العبرية الصادرة الخميس قبل الماضي.
في النتيجة، فإن توقيع اتفاق رابط البحرين ، ليس حدثاً عابراً، بل يؤكد أننا أمام اتفاق سياسي، إن لم يكن دائماً فمرحلي يرفع مستوى التنسيق الأمني القائم بين الأطراف الثلاثة إلى مستوى التنسيق السياسي والاقتصادي. وعليه، فإن من المبرر بالفعل أن يزيد "ناقل البحرين" من منسوب القلق لدى مناهضي التسوية، لا سيما إذا أخذنا بالحسبان تغير الإصطفافات في المنطقة.
( المصدر : جي بي سي نيوز - ناصر لافي )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews