تباين أداء دول الخليج في تقرير الشفافية 2013
لا توجد غرابة لتباين أداء دول مجلس التعاون الخليجي الست على مؤشر مدركات الفساد للعام 2013 والذي صدر قبل أيام بواسطة منظمة الشفافية الدولية ومقرها العاصمة الألمانية برلين. وتبين بأن أحسن وأسوأ تقدم كان من نصيب السعودية والبحرين على التوالي. والأهم من ذلك، أكد التقرير على تفوق كل من الإمارات وقطر على باقي الدول الأعضاء على المؤشر حيث حققتا نتائج أفضل من بعض دول الاتحاد الأوروبي.
يعد المؤشر مميزا كونه يقيس مدى استشراء الفساد في المعاملات الرسمية عبر تفضيل البعض على حساب الآخر وبالتالي إمكانية الحصول على عوائد مادية مشكوك في صحتها بطريقة أو أخرى. تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بسوء استخدام الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب. كما أنها لا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، بل لا تميز بين الفساد الكبير والصغير. ترى المنظمة بأن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية وهي محقة بذلك.
يغطي تقرير 2013 مستويات الشفافية في 174 اقتصادا في العالم أي السواد الأعظم من دول العالم عبر الاعتماد على النتائج المحصلة للعديد من المسوحات والاستطلاعات من تنفيذ 13 جهة دولية مرموقة تتمتع بمصداقية ولها باع طويل في الأبحاث. تشمل هذه المؤسسات وحدة المعلومات في مجموعة الإيكونومست البريطانية والبنك الدولي ودار الحرية ومؤسسة البصيرة العالمية وبنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الأفريقي.
وقد شملت عمليات الاستطلاع وجهات نظر الخبراء ورجال الأعمال وغير المقيمين بخصوص مدى تقبل السياسيين وموظفي القطاع العام للرشاوى. بيد أنه تعتبر هذه النقطة سلبية لحد ما بالنظر للاعتماد على معلومات يقدمها أفراد بصورة ذاتية وشخصية وليس بالضرورة بصورة موضوعية.
عودة لمحور المقال، فقد نجحت الإمارات في مواصلة تقدمها متقدمة مرتبة واحدة وعليه حلت في المرتبة رقم 26 دوليا بالتناصف مع النمسا. وتؤكد النتيجة بأن الإمارات حلت في مرتبة أفضل من بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل استونيا وقبرص والبرتغال وبولندا واسبانيا.
وقد جمعت الإمارات 69 نقطة على المؤشر المكون من 100 نقطة بزيادة نقطة واحدة عن التقرير السابق وهي أفضل نتيجة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فضلا عن منظومة مجلس التعاون الخليجي. وحسب القائمون على التقرير، المطلوب من الدول التي جمعت أقل من 70 نقطة على المؤشر نقطة تنفيذ برامج إصلاحية في مجال محاربة استغلال الوظيفة العامة، وعليه حصدت الإمارات على نقاط قريبة جدا من الحد المطلوب.
التقدم الإماراتي يعود بشكل جزئي لظاهرة تنامي الاعتماد على الحكومة الاليكترونية وهي نقطة جديرة وصائبة في عصر العولمة. فمن شأن الاعتماد على الشبكة العنكبوتية تحاشي المعاملات الشخصية حيث توجد فرضية منح مزايا لبعض الجهات لأسباب خاصة.
بدورها حلت قطر في المرتبة رقم 28 دوليا ما يعني تراجعها مرة واحدة. بالعودة للوراء، حققت قطر المرتبة 22 في تقرير 2011 أي الأفضل بين الدول العربية قاطبة كما هو الحال مع الإمارات في التقرير الأخير. لكن تراجع الترتيب إلى المرتبة 27 في تقرير 2012 بالتناصف مع الإمارات. ثم حدث التراجع الأخير والذي يعد محدودا في حال عدم حصول المزيد من التدهور في الترتيب العالمي.
وفيما يخص أداء باقي دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حلت البحرين في المرتبة الثالثة خليجيا وعربيا لكن الترتيب رقم 57 على مستوى العالم ما يعني تراجعها 4 مراتب أي الأسوأ خليجيا في غضون سنة واحدة. وعلى هذا الأساس، واصلت البحرين مسلسل خسائر نقاط بصورة مستمرة، حيث كانت البحرين قد حلت في المرتبة رقم 27 دوليا في العام 2003 عند قمة الإصلاحات الاقتصادية في البلاد بقيادة ولي العهد.
بدورها، حافظت عمان على ترتيبها السابق وعدد النقاط عبر حلولها في المرتبة رقم 61 دوليا. وكما أشرنا سلفا، فقد نجحت السعودية في تحسين ترتيبها 3 مراتب أي الأفضل خليجيا خلال التقرير وعليه حلت في المرتبة 63 عالميا. وكان ترتيب السعودية قد تراجع بواقع 9 مراتب في تقرير 2012 وعليه حصل تغيير جوهري في أداء المملكة بين التقريرين وربما ليس من الصواب اعتباره إنجازا في كل من الأحوال.
أخيرا، تراجع ترتيب الكويت ثلاث مراتب وعليه حلت في المرتبة رقم 69 بين الدول المقيمة في التقرير أي الأسوأ بين دول مجلس التعاون. حقيقة القول، يشكل هذا الأداء غير المقنع أحد أسباب الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الأمر الذي يفسر جانب من الخلافات بين الجانيين والتي أدت في الماضي القريب إلى قيام أمير البلاد بحل مجلس الأمة أكثر من مرة.
تكمن أهمية المؤشر باستخدامه من قبل مستثمرين دوليين مع مجموعة أخرى من الإحصاءات لاتخاذ قرارات مرتبطة بالاستثمار والأماكن القابلة لاستقطاب الشركات التجارية. تعتبر الاستثمارات الأجنبية ضرورية لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين وتحقيق أفضل نسب النمو الاقتصادي وثقة المجتمع التجاري الدولي للقوانين والآفاق التجارية في مختلف دول العالم.
المطلوب من غالبية دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ إصلاحات جذرية لمحاربة سوء استغلال الوظائف العامة والتأكد من وجود أشخاص مناسبين في الوظائف العامة. وربما يمكن اعتبار تأكيد الاعتماد على الشبكة الاليكترونية في دبي مثالا يمكن الاحتذاء به في هذا المجال.
الأمر الآخر لتعزيز الشفافية المطلوب يكمن في نشر إحصاءات دورية دون تدخل للتأثير على الأرقام أو تاريخ النشر لأغراض سياسية كما هو الحال مع بعض الدول وخصوصا تلك الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وجلها أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
الشفافية جوهرية وليست رفاهية في عصر العولمة حيث المنافسة دولية.
( الشرق 9/12/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews