القطاع الخاص في الشرق الأوسط.. كيف يساهم بدور أكبر في تحقيق النمو؟
لا تكفي سرعة النمو الحالية في مختلف بلدان الشرق الأوسط لتوفير فرص العمل المطلوبة وزيادة الدخول بالقدر الذي ينشده سكان المنطقة؛ فالبطالة مرتفعة بشكل مزمن، وتواصل الارتفاع، حيث زاد عدد العاطلين عن العمل بأكثر من مليون نسمة منذ عام 2010 لتصبح نسبة العاطلين 1 من بين كل 4 شباب في الوقت الراهن.
وينصب التركيز حتى الآن فيما يمكن أن تقوم به الحكومات لتحسين آفاق النمو وفرص العمل، وهو أمر مفهوم نظرا للدور المحوري الذي تؤديه الحكومات في اقتصادات المنطقة من خلال استثمارات القطاع العام وتوظيف العمالة فيه، وكذلك دور المؤسسات المملوكة للدولة في أهم قطاعات الاقتصاد. غير أن استمرار أهمية دور الحكومة في عملية النمو خلال الفترة المقبلة، لا يتنافى مع ضرورة تعديل هذا الدور وتغيير محور تركيزه. فمع الإنفاق المفرط من الميزانيات العامة إلى درجة تكاد تصل إلى الاستنزاف التام في كثير من البلدان، أصبح المجال محدودا لزيادة الإنفاق الحكومي. وبينما لا تزال الفرصة متاحة لدعم النمو من خلال برامج الاستثمار العام المخططة بدقة، إذا توافر لها التمويل اللازم، فإن السياسات الحكومية ينبغي أن تركز بشكل متزايد على إيجاد مناخ يسمح بازدهار القطاع الخاص. وفي هذا السياق، ينبغي تمكين الأعمال الخاصة من دفع قاطرة النمو وقيادة التقدم في اقتصادات المنطقة.
ويتميز الشرق الأوسط بكثير من المواصفات التي تمكنه من دعم قطاع خاص قوي؛ فلديه قوى عاملة شابة، وقنوات متزايدة للحصول على التكنولوجيا، وموقع جغرافي فريد يربط بين مختلف القارات، وثروات وفيرة من الموارد الطبيعية، ومقاصد سياحية غنية. ومع ذلك نجد أن القطاع الخاص في المنطقة يفتقر إلى الديناميكية اللازمة لدفع النمو إلى المستويات التي نشاهدها في مناطق أخرى من العالم؛ فقد كبلته التدخلات الحكومية، والافتقار إلى المنافسة في الأسواق المالية، وعدم ملاءمة البنية التحتية، وعدم القدرة على الاندماج الكامل في الأسواق الخارجية سريعة النمو، وبالطبع المخاوف الأمنية وعدم اليقين السياسي اللذان يشهدهما كثير من بلدان المنطقة للأسف.
ويتضمن البرنامج المطلوب لتحسين مناخ الأعمال الراهن ضمان معاملة الشركات على أساس من بساطة الإجراءات والشفافية والمساواة، وزيادة الشفافية والمحاسبة في المؤسسات العامة، وضمان حصول الجميع على الخدمات الحكومية وبناء المهارات الملائمة وحوافز العمل، والحصول على التمويل للمساعدة في تشجيع العمل الحر والاستثمارات الخاصة، وزيادة التكامل التجاري، سواء داخل المنطقة أو على مستوى الاقتصاد العالمي. ومن العوامل الضرورية أيضا وجود بنية تحتية أفضل وبيئة اقتصادية مستقرة. وينبغي أن تركز سياسة المالية العامة والسياسة النقدية على التوصل إلى معدل تضخم منخفض وتجنب ما يواجه النمو الاقتصادي من تقلبات كبيرة تخلق أجواء عدم اليقين وتتسبب في إحجام الشركات عن الاستثمار وتوفير وظائف جديدة. والهدف الأساسي من كل ذلك هو أن تكون الاقتصادات أكثر ديناميكية وتنافسية وعدلا.
وينبغي أن تتعاون منشآت الأعمال مع الحكومات لضمان تحديد القيود القائمة وإقرار الإصلاحات المطلوبة على نحو فعال. وتعني الإصلاحات تغيير أساليب العمل، مع السعي لإيجاد آفاق جديدة من الفرص داخل المنطقة وخارجها. وينبغي التغلب على المصالح الخاصة حتى يتسنى تسخير مبتكرات القطاع الخاص وإتاحة الفرص للجميع، كما ينبغي أن ينظر إلى قادة قطاع الأعمال باعتبارهم جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة.
ويشارك صندوق النقد الدولي في استضافة مؤتمر حول كيفية مساهمة القطاع الخاص في زيادة النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط، وذلك في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) المقبل في العاصمة السعودية، الرياض، بالتعاون مع مجلس الغرف السعودية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي. وسوف يلتقي في هذا المؤتمر ممثلون لصندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية ورجال الأعمال في المنطقة للحديث عن فرص تنمية القطاع الخاص، وكيفية تحسين مناخ الأعمال، وكيف يمكن لمنشآت الأعمال أن تساعد المنطقة في التصدي للتحديات التي تواجهها.
وقد أنشئ صندوق النقد الدولي لتعزيز الاستقرار المالي الدولي والتعاون في المجال النقدي، ومن ثم تيسير التجارة الدولية، وتشجيع زيادة توظيف العمالة والنمو الاقتصادي القابل للاستمرار، وهي أهداف لم تكن في أي وقت مضى أهم مما هي الآن. وإذ يواصل الصندوق جهوده لتطوير المشورة التي يقدمها بشأن السياسات وتطويعها لاحتياجات الحكومات في البلدان الأعضاء، واستكشاف السبل الممكنة للمساهمة في تخفيض معدلات البطالة التي بلغت ارتفاعا غير مقبول، يمثل هذا المؤتمر فرصة فريدة لكي يستمع ممثلوه بشكل مباشر إلى مجتمع الأعمال الذي يعول عليه في القيام بدور بالغ الأهمية، في نجاح المنطقة مستقبلا.
إن تحقيق طموحات الشعوب في منطقة الشرق الأوسط يتطلب إيجاد قطاع خاص أكثر ديناميكية. وغالبا ما تكون الإصلاحات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف معقدة وصعبة من الناحية السياسية، كما أنها تستغرق وقتا حتى تؤتي الثمار المرجوة. غير أن البدء في عملية الإصلاح عامل حيوي لاستعادة الثقة وإعطاء دفعة لنشاط القطاع الخاص وتوفير فرص العمل التي أصبحت الآن ضرورة ملحة.
( بروجيكت سيديكس 3/12/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews