بكين ترمي قفاز التحدي في وجه واشنطن

يبدو للوهلة الأولى أن تحديد بكين لمنطقة دفاع جوي في بحر الصين الشرقي، كأنه تصعيد محسوب بخصوص خلافها الطويل مع اليابان حول سيادة اليابان على جزر سينكاكو، أو ديايو باللغة الصينية. أما الأكثر إثارة للقلق والاحتمال، فهو أن بكين قررت امتحان قوة الولايات المتحدة في غرب المحيط الباسفيكي. يبدو أن شرق آسيا ينكشف بصورة متزايدة باعتباره مكانا للخطر.

عندما التقى تشي جينبينج باراك أوباما في كاليفورنيا أوائل هذه السنة، قال الرئيس الصيني لنظيره الأمريكي إن المحيط الهادي واسع لدرجة تكفي لاستيعاب قوتين عظميين. يمكننا الاستنتاج من ذلك أن على الولايات المتحدة والصين أن تقتسما الغنائم.

يُفهم بصورة ضمنية من هذه الملاحظة، أن الصين لن تقبل بالأمر الواقع الذي يرى بقاء الولايات المتحدة القوة المتفوقة في منطقة الباسيفيكي، ولكن أوباما تملص من هذه المسألة خلال مؤتمر القمة، لذا فقد قرر تشي أن الوقت قد حان كي تبدأ الصين في انتزاع حصتها.

وقعت جزر سينكاكو تحت الإدارة اليابانية منذ أواخر القرن التاسع عشر، باستثناء فترة قصيرة كانت فيها تحت سيطرة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. أعادت الصين جمع وترتيب أوراقها للمطالبة بهذه الجزر أوائل السبعينيات، ولكنها لم تفعل في العقود الماضية شيئاً يذكر للدفع بقضيتها. دفع هذا بالولايات المتحدة لتوجيه تحذيرها بأن هذه المنطقة مغطاة باتفاقية الأمن المتبادل مع اليابان.

الآن يتم امتحان التزام الولايات المتحدة هذا. كما يبدو أن السؤال الذي يشغل بال الصين هو إلى أي مدى سيذهب أوباما من أجل الحفاظ على النظام الموجود حالياً. تهدف الصين إلى دفع الولايات المتحدة بعيداً عن الخط الساحلي، وتأسيس منطقة سيادة خاصة بها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. هل يوجد لدى أمريكا المنهكة من حروبها في الشرق الأوسط، التصميم السياسي لتخاطر بالدخول في صراع في آسيا لأجل الدفاع عن بضعة صخور غير مأهولة؟ ربما لم يكن ذلك مصادفة، أن يأتي توقيت بكين هذا متوافقاً مع أكثر الفترات اضطراباً في رئاسة أوباما.

يشير قرار واشنطن إرسال طائرتين من طراز بي 52 داخل المنطقة البحرية الجديدة التي أطلقت عليها الصين اسم ''منطقة التعريف بالدفاع الجوي'' – على نحو يتجاهل مطالب الصين بوجوب التعريف عن الطائرات العابرة، والمخاطرة بالتالي بالتعرض إلى ''إجراءات دفاعية طارئة'' – إلى أنها تفهم طبيعة التحدي.

دعا تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي التحرك الصيني ''محاولة لزعزعة الاستقرار وتغيير حالة الأمر الواقع في المنطقة''. إلا أن هناك دبلوماسيين آخرين كانوا أقل دبلوماسية حيال ذلك. ومع ذلك يبدو أن الصين تلعب لعبة طويلة. السؤال المهم الآن في شرقي آسيا، هو ما إذا ما زال للولايات المتحدة قوة مقيمة، تكفي لمقاومة الاندفاع الصيني المستمر للسيطرة على المنطقة.

الأثر المباشر لقوانين طيران بكين الجديدة هو زيادة المخاطر، المرتفعة أصلاً، بوقوع صدام مسلح مع اليابان حول الجزر. كما أن المنطقة الصينية تتداخل مع منطقة التعريف الدفاعي الجوي اليابانية، وهي المنطقة التي تم تحديدها منذ فترة طويلة.

يوجد لدى اليابان رئيس وزراء وطني هو شينزو آبي، وهو مُصمم على عدم الخوف من جاره الأقوى، ولا يريد في نفس الوقت أن يتأثر كثيراً بالتحذير الخاص الأمريكي، الذي يطالب طوكيو بأن تكون لها حصة في تخفيض درجة الحرارة السياسية في المنطقة.

آبي رجعي بدون مواربة، ولديه خاصية خطرة متمثلة في تحسين صورة الأجزاء القذرة من التاريخ الياباني. كما أنه يبحث عن أعذار لتعديل الدستور الياباني لتزويده بشيء، يكون أكثر من قدرات اليابان الدفاعية. الاصطدام مع الصين حول جزر سينكاكو، سواءً كان عرضياً أو مقصوداً، سيكون بالضبط المبرر لذلك.

سيترك هذا أوباما بالتأكيد في موضع غير مريح. على الولايات المتحدة أن توضح للصين أنها تقف إلى جانب اليابان في هذا النزاع، على أن يكون لديها في نفس الوقت الرغبة في تشجيع آبي على تجنب زيادة التوتر في المنطقة. كل الجوار الصيني يراقب من كثب الطريقة التي ستتمكن بها الولايات المتحدة، من التوفيق بين هذين الهدفين.

بالنسبة للولايات المتحدة، هناك أمور على المحك تفوق كثيراً علاقتها باليابان. مأزق بكين مع طوكيو بخصوص جزر سينكاكو هو أحد النزاعات الإقليمية بين الصين وجيرانها. القيود المفروضة على المجال الجوي تتداخل مع منطقة كوريا الجنوبية، إلى جانب تداخلها مع الادعاءات الإقليمية اليابانية. كما أن الفلبين مستاءة من واشنطن لما تعتبره إخفاق الولايات المتحدة في إعطائها التأييد الكافي في نزاعها مع بكين حول مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي. ولدى فيتنام خلاف آخر مع الصين حول حدودها البحرية.

بكين الآن، بصورة واعية أو غيرها، تحوّل السيطرة على المجال الجوي حول جزر سينكاكو إلى اختبار للالتزام الأمريكي الأمني نحو شرق آسيا. إذا قبلت واشنطن القيود الصينية، فإن هذا سيرسل إشارة إلى جميع البلدان الأخرى في المنطقة، بأنها لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة، للدفاع عن الوضع القائم ضد النزعة التوسعية الصينية.

الولايات المتحدة، بدورها، إذا أظهرت تصميمها باعتبارها قوة مقيمة في شرق آسيا عن طريق إرسال دوريات دائمة في المجال الجوي المتنازع عليه، فإنها تقبل بذلك مصدراً جديداً من مصادر الاحتكاك مع بكين. أغلب ظني أن أوباما، الذي يُتَّهَم بأنه الرئيس المسؤول عن انهيار القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا يملك التراجع حول سينكاكو.

من المؤكد أن صناع السياسة الصينيين يدرسون التاريخ بعمق. كان صعود ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر (وكذلك اليابان)، يحتل منذ فترة طويلة مكاناً بارزاً في منهج نخبة السياسة الخارجية في بكين. يقول هؤلاء المسؤولون للزوار، إن الصين لن تكرر الخطأ الذي ارتكبه القيصر، حين أساء الحسابات بتوحيد جيران ألمانيا في معارضتهم لصعودها إلى مكانة القوى العظمى.

هذا الانتباه القوي في الماضي، يبدو الآن كأنه يحتل مرتبة ثانية في ظل اعتزام بكين العمل على تأكيد قوتها في المنطقة. هذا دليل على أن أخطاء التاريخ تتكرر في أحيان كثيرة.

( فايننشال تايمز 2/12/2013 )