تطور العلاقات الأميركية الإيرانية .. ما خفي أعظم !
رغم أن الخطاب الإيراني السياسي الرسمي كان فيما مضى يصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر ، ويندد بسياساتها تجاه الدولة الإسلامية وحركات المقاومة لصالح حليفتها اسرائيل ... ورغم التصعيد والتوتر في العلاقات الثنائية والعقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها أميركا والغرب على إيران بسبب برنامجها النووي، غير أن هنالك مصالح مشتركة بين طهران وواشنطن لا يمكن إغفالها ، حيث كانت تتقارب على مدى السنوات الماضية ، وتكشفت حقائق عن اتصالات بين " العدوين " في أحلك الأوقات .. وليس بعيدا عن ذلك الإستراتيجية المشتركة للدولتين وتحالفهما لإسقاط طالبان وحكم السلفيين المعادين بعنف لمذهب " الإثني عشرية " الذي بات حاكما مطلقا لإيران منذ إسقاط الشاة واعتماد " ولاية الفقيه " مرتكزا ومرجعية للحكم في الدولة الفارسية العتيدة .
كما وإنه لا يخفى تحالف الدولتين ، أو - إن شئتم - التنسيق فيما بينهما للإطاحة بحكم صدام حسين ومن ثم تسليم " الجمل بما حمل " لمكون من مكونات الشعب العراقي ، وهو المكون الموالي لإيران قلبا وقالبا ، ليس بحكم قوة النفوذ فقط ، بل قوة الولاء الطائفي الأعمى .
ويبدو أنه قد آن الأوان - راهنا - لإعلان الغزل الثنائي هذه المرة ، وهو غزل بلغ أقصاه في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، ثم اتصال الرئيس أوباما بنظيره الإيراني و" مجاملته " لأكثر من خمس عشرة دقيقة بعد انقطاع دام ٣٠ عاماً.
لقد كانت تلك المكالمة بمثابة الاعلان عن عودة الدفء للعلاقات بين البلدين ، بعد أن أعلن حسن روحاني رغبته - في أكثر من مناسبة - في إقامة حوار مع أميركا وإعادة العلاقات بين الدولتين ، وهو ما عبّر عنه أيضاً أوباما في خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ٦٨ بمقر المنظمة في نيويورك ، عندما أشاد بتصريحات روحاني : أن إيران لن تطور سلاحاً نووياً ، وكذلك بفتوى المرشد الأعلى الخامنئي بتحريم تطوير الأسلحة النووية.. مضيفاً بأن أميركا سوف تساعد الشعب الإيراني في تحقيق طموحاته في مجالات الثقافة والعلوم والتعليم والتجارة وغيرها .
ولو استعرضنا أيضا بعض محطات العلاقة بين الدولتين ، فإننا سنقف عند أوباما مرة أخرى ، فها هو يشبه الصراع الدائر في البحرين بالاحتقان الطائفي ، وهو تشبيه يوافق ويطابق وجهة النظر الإيرانية التي ترى بأن شيعة البحرين يواجهون تهميشاً طائفياً ممنهجاً ، وبأن مظاهرات الشيعة في الجزيرة الخليجية تواجه بالعنف وبالتعتيم الاعلامي .
وبمجرد أن تقدمت روسيا بمبادرة نزع السلاح الكيماوي من النظام السوري مقابل تراجع أميركا عن الضربة العسكرية، وافق أوباما ، ولقد صبت موافقته تلك في صالح نظام الأسد حليف طهران الإستراتيجي الذي وصفته بأنه " ضلع من مثلث المقاومة لن تسمح بكسره " ، في نفس الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأمريكي عدم وجود أية إمكانية لحل عسكري للأزمة السورية ، وأن الشعب السوري وحده من يقرر من سيحكم سورية ، وهو رأي موافق تماما لوجهة نظر الإيرانيين .
ولو استعرضنا - كذلك - بعض أوراق روحاني السياسية ، فإننا نراه قد بدا واضحاً بتودده وتقربه من الرئيس أوباما عندما نشر عبر حسابه الخاص على التويتر رسالة شكر وجهها إليه .
كما أعلن عن موقفه هذا في وقت سابق عندما اعترف بالمحرقة اليهودية على يد النازيين الألمان (الهولوكوست) بعد أن كان أحمدي نجاد قد رفض الاعتراف بحقيقة وجود المحرقة أساساً.
ونجد أيضا في أوراق روحاني ، ما ورد في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتأكيده جاهزية إيران للبدء في محادثات لتبديد كل الشكوك حول برنامجها النووي وبناء الثقة بسلميته، وهو الملف الأكثر إثارة للجدل والقلق لأمريكا وإسرائيل .
وكذلك ، فقد أثنى روحاني على كلمة الرئيس الأميركي في الجمعية العامة قائلاً بأنه " يأمل أن تبتعد أميركا عن الرؤية القصيرة المدى وعن جماعات الضغط فيما يخص علاقاتها مع إيران ، وتعي بأن كلاً من إيران وأميركا قادرتان على حل كل خلافاتهما ”..
في السياسة ، كل طرف يحتفظ بأوراقه الخاصة التي يستخدمها في الوقت المناسب للضغط أو التقرب من طرف آخر ، والهدف - في النهاية - هو تحقيق المصالح ، الظرفية أو الاستراتيجية .
هذه هي السياسة ، ذلك العالم الشاسع الواسع الخفي الظاهر ، وليس كل ما تخرجه من خبئه وتظهره هو الحقيقة، وإن ظهر جزء منها فلا يكاد يُرى ، أما ما خفي فهو الأعظم .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews