الصناعة النفطية ماضية قدماً في تحسين أدائها
يجب عدم التقليل من قدرة الصناعة النفطية على الإبداع والابتكار، فتاريخها حافل بالمنجزات التقنية والعلمية، وفي كثير من الأحيان يعزى الفضل لها للإنجازات العلمية ذات التطبيقات في قطاعات أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة في هذا الجانب. الصناعة النفطية ماضية قدماً في تحسين أدائها في عمليات الحفر والتنقيب في مصادر الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، حسب أحدث تقرير صدر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. إن تباطؤ نشاط الحفر في موارد الصخر الزيتي في الآونة الأخيرة، استناداً إلى أرقام عدد الحفارات العاملة، كان في الواقع على خلفية أن الصناعة النفطية هناك أصبحت أكثر كفاءة في تعظيم الاستفادة من تلك الحفارات.
إن إمدادات النفط من تشكيلات الصخر الزيتي في الولايات المتحدة آخذة في الارتفاع بسرعة، أسرع مما كان متوقعاً قبل بضع سنوات. لقد ساعدت هذه الإمدادات في تعويض الانقطاعات في أماكن أخرى من العالم، إضافة إلى ذلك لقد ساعدت هذه الإمدادات في وضع أرضية لأسعار النفط إذا ما انهارت الأسعار، نظراً لكلفتها العالية نسبياً. لكن، حتى الآن، إمدادات الصخر الزيتي لم تمثل أي تهديد لقدرة منظمة أوبك على إدارة أسواق النفط. في الوقت الحاضر يتم إنتاج المزيد من النفط الخام من الآبار الجديدة ''أي الآبار أصبحت أكثر كفاءة'' المحفورة في تشكيلات الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. إن الآبار الجديدة المحفورة في تشكيلات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، وفي طبقات السجيل الغازي الغنية بالنفط المعروفة بالنسر فورد Eagle Ford في جنوب ولاية تكساس تنتج حالياً ضعف كمية النفط التي كانت تنتجها قبل أقل من ثلاث سنوات. إن منصات الحفر الجديدة في حوض باكن في وسط القارة الشمالي تنتج في الوقت الحاضر نحو 480 برميلاً في اليوم، مقارنة بـ 260 برميلاً في اليوم منذ عامين. في حين أن منصات الحفر الجديدة في حوض النسر فورد في جنوب تكساس تنتج نحو 400 برميل في اليوم، ارتفاعاً من 230 برميلاً في اليوم في أواخر عام 2011.
في هذا العام أنتج هذان التشكيلان أكثر من 1.8 مليون برميل في اليوم، أي نحو 570 ألف برميل في اليوم فوق معدلات العام السابق. إن حوض باكن والنسر فورد يمثلان نحو 75 في المائة من نمو الإنتاج من مناطق الصخر الزيتي الست الرئيسة في الولايات المتحدة.
على مدى السنوات الماضية تعلمت شركات النفط العاملة في هذه التشكيلات سرعة الحفر والانتقال إلى مواقع جديدة، والحفاظ على تكاليف منخفضة نسبياً لعملياتهم. إنهم يقومون بهذا العمل لأن آبار الصخر الزيتي عادة ما تصل إلى ذروة الإنتاج في غضون بضعة أشهر وينخفض إنتاجها بشكل حاد بعد ذلك. لذلك على الشركات الاستمرار في الإنفاق للمحافظة على معدلات الإنتاج الحالية أو النمو وفي الوقت نفسه تعويض الانخفاض. إن تحسين كفاءة منصات الحفر سيعمل على تخفيض تكاليف الإنتاج إلى حد ما، لكن مع ذلك ستبقى تشكيلات الصخر الزيتي مصدراً للنفط عالي التكلفة.
الارتفاع السريع في إنتاج النفط من تشكيلات الصخر الزيتي كان حدثا سارا بالنسبة لمستهلكي النفط في العالم. إن الولايات المتحدة وكندا تقودان الطفرة في إنتاج النفط من خارج دول منظمة أوبك والتي ساعدت في تعويض الانقطاعات في أماكن أخرى من العالم، لا سيما من دول منظمة أوبك مثل ليبيا وإيران. حسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ارتفع إنتاج النفط من خارج منظمة أوبك بواقع 1.25 مليون برميل في اليوم في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، كما أن العديد من معاهد الأبحاث تتوقع أن يرتفع إنتاج النفط من خارج أوبك بنحو 1.7 مليون برميل في اليوم العام المقبل. ويضيف تقرير إدارة معلومات الطاقة أن مجموع الانقطاعات من دول منظمة أوبك قد بلغ نحو 2.4 مليون برميل في اليوم خلال أيلول (سبتمبر).
إن دول منظمة أوبك وعلى رأسها السعودية لم تفترض أن إنتاج النفط من موارد الصخر الزيتي سيكون بإمكانه وحده تعويض جميع الانقطاعات من دول منظمة أوبك من خارجها. لذلك المملكة كانت جاهزة دائماً لتعويض أي نقص في الإمدادات، مثال على ذلك تعويض تعطل الإنتاج في ليبيا في عام 2011، في إيران في العام الماضي ونيجيريا وليبيا مرة أخرى هذا العام. لقد أنتجت المملكة العربية السعودية ما يقرب من 900 ألف برميل في اليوم من النفط الخام بين عامي 2001 و2013 أكثر مما كانت تنتجه في السنوات الخمس التي سبقت ذلك، وعززت حصتها من إجمالي إنتاج منظمة أوبك إلى أكثر من 31 في المائة من أقل من 29 في المائة مقارنة بالفترة نفسها.
إن منظمة أوبك وبصورة خاصة السعودية لا تنظر إلى ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة على أنه مصدر قلق أو منافسة، حيث إن الولايات المتحدة تحظر تصدير إنتاجها الخاص على نطاق واسع، على الرغم من أنه لا تزال لديها بعض المساحة للمناورة للحد من واردات النفط الخام الخفيف الحلو والسماح للصخر الزيتي بتوفير المزيد من النفط في الأسواق العالمية. لكن إنتاج النفط من تشكيلات الصخر الزيتي يخلق أرضية أكثر واقعية لأسعار الإنتاج من خارج منظمة أوبك، ويجعل من اقتصاديات العرض أكثر استجابة لأسعار النفط، الأمر الذي تقدره أيضا منظمة أوبك.
في هذا الجانب، أشار إبراهيم المهنا مستشار وزير النفط السعودي، أن ثورة السجيل الغازي والصخر الزيتي تضيف عمقاً أكبر لأسواق النفط، وتعمل على تنويع مصادر إمدادات الطاقة من حيث النوع، الموقع والمصدر. يضيف المهنا أيضا أن هذه المصادر قتلت فكرة ذروة النفط ووفرت للمستهلكين الضمانات عندما يتعلق الأمر بأمن الإمدادات، كما أنها خلقت أرضية لأسعار النفط يضعها البعض عند حدود 80 دولاراً للبرميل.
في الواقع الطفرة في إنتاج الصخر الزيتي قد أضافت ديناميكية جديدة لتسعيرة النفط الخام. المشاريع النفطية العملاقة في الدول خارج منظمة أوبك عادة ما تأخذ سنوات في عمليات التطوير، مع ضخامة التكاليف الرأسمالية لهذه المشاريع تجبر الشركات النفطية على تحقيق أقصى قدر من الإنتاج ولعدة عقود، تقريبا بغض النظر عن الأسعار الفورية السائدة. في حين أن آبار الصخر الزيتي اليوم هي هنا وغدا قد تندثر تقريبا جميعها. لذلك الإمدادات من هذه المصادر من المتوقع أن تكون أكثر استجابة لأسعار النفط لأنها تتطلب عمليات حفر مستمرة للحفاظ على الإنتاج. غالباً ما يعتمد صغار المنتجين على تمويل البنوك التي تصر على التحوط Hedge لضمان القروض.
إن التحوطات الحذرة مع المكاسب التي تحققها الشركات في مجال تحسين كفاءة عمليات الحفر قد تجعل من أرضية أسعار الصخر الزيتي هدفاً متحركاً.
( الاقتصادية 7/11/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews