اليابان تقدم ملامح مثيرة للقلق على المستقبل

قبل بضع سنوات، أفردت مجلة التكنولوجيا ''وايرد'' باباً دائماً باسم: ''عينٌ على التلميذة اليابانية''. المفهوم لم يكن مريباً كما يبدو. الفكرة كانت ببساطة هي أن التلميذات في اليابان، يُعتبرن رائدات في مجال موضة التكنولوجيا، وأن الأدوات اللواتي يستخدمنها اليوم، ستصبح عالمية غداً.

لكن في هذه الأيام، تعتبر اليابان أيضاً رائدة في مجال الاتجاهات العامة بطريقة أخرى أكثر إثارة للقلق. إذا أراد صنّاع السياسة في أوروبا وأمريكا الشمالية الشعور بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، التي يمكن أن يتصدوا لها خلال السنوات المقبلة، عليهم زيارة اليابان، كما فعلت أنا الأسبوع الماضي.

من الأفكار المناسبة في هذا المجال إطلاق: ''عينٌ على الجدة اليابانية''، على اعتبار أن اليابان تقدم درسا متفتحاً في عواقب توقعات العمر الأطول وانخفاض معدلات الولادة.

كلا الاتجاهين يميلان للتطرف بشكل بارز في اليابان، ولكنهما يتكرران - إلى درجة ما - في بعض الشعوب الغنية. بدأ عدد سكان اليابان بالتقلص في عام 2010. من المتوقع أن يتراجع من 127 مليون نسمة اليوم ليصل إلى 86.7 مليون نسمة بحلول عام 2060، حين يكون 40 في المائة من السكان فوق 65 عاماً. نتيجة ذلك، فإن ''ربوتات العناية'' – التي باستطاعتها عمل أشياء مثل مساعدة الجدات عند استخدام الحمام، إضافة إلى المشاركة في محادثات بسيطة عن الطقس – ستكون مركزاً لصناعة مزدهرة.

هناك جيش من كبار السن يقترعون بأرقام أكبر بكثير من الشباب، لذا تم الإبقاء على رواتب التقاعد ومنافع الضمان الاجتماعي، حتى مع تقليص الخدمات الأخرى. في الوقت نفسه يواجه الشباب مستقبلاً ذا ضرائب أعلى، وسيجدون من الصعب بشكل متزايد الحصول على الوظائف الآمنة كالتي تمتع بها آباؤهم.

ينبغي لجميع هذه الاتجاهات أن يتردد صداها في العديد من الشعوب الغربية. عدد سكان ألمانيا، وهي رابع أكبر اقتصاد في العالم، وتأتي مباشرة بعد اليابان، بدأ بالتقلص أيضاً. حتى في الولايات المتحدة، حيث التركيبة السكانية أكثر ملاءمة، فإن تقاعد مجموعة من الأفراد (من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية) قد دفع أمريكا للاصطدام بسقف ديونها.

يعتقد العديد من السياسيين في واشنطن بشكل واضح أنه متى اقتربت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 100 في المائة، فإنها النهاية. لكن ما عليهم إلا زيارة اليابان، حيث النسبة هي الآن أكثر من 230 في المائة – وما زالت البلاد تعمل بشكل منظم وفعال. ولكن اليابان معرضة لخطر كبير عند أي ارتفاع في أسعار الفائدة العالمية. حتى في ظل المناخ الحالي للمعدلات المنخفضة للغاية، فإن الفائدة على الديون تستهلك ما يقارب 25 في المائة من الميزانية الوطنية لليابان.

سياسة آبي الاقتصادية المتطرفة التي جرت الطنطنة لها هي، إلى حد ما، ردة فعل للديون. يهدف شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، إلى زيادة التضخم إلى نحو 2 في المائة – على أمل أن ينتج نمو الاقتصاد لاحقاً العائدات المطلوبة لدفع التكاليف الاجتماعية المتزايدة، وتخفيض نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي.

الاقتصاديون المتطرفون ذوو الياقات المفتوحة الآن يتجولون في قاعات بنك اليابان التي كانت في السابق شبه نائمة. إن عرض الأموال الذي وصل إلى الضعف نتيجة لسياسة آبي الاقتصادية، يظهر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي عند المقارنة، وكأنهما في غاية الحذر. الاقتصاديون مشدوهون من جرأة التجربة اليابانية. ولكن حتى أنصار سياسة آبي الاقتصادية يدركون وجود مراهنات كبيرة – وبالأخص، مخاطر خروج رأس المال من البلد، وذعر السوق وفي النهاية التضخم المفرط.

من المؤكد أن الإجراءات المتطرفة، بصورة أو بأخرى، كانت ضرورية. مضى الآن أكثر من 20 سنة منذ أن انفجرت فقاعة العقارات والأسهم في اليابان – ولم يستعد الاقتصاد حتى الآن قوته السابقة. ولكن البلاد وجدت أن الإجراءات التي اتُّخِذت لتدعيم النظام، مثل أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، خلقت مشاكل خاصة بها. كانت اليابان هي التي أدخلت عالم ''بنوك الزمبي'' ذات القيمة الصافية السالبة – وهناك الآن بنوك زومبي مشابهة تنتشر في أوروبا.

ليس الدافع وراء تطرف آبي هو فقط الاقتصاد المحلي. هناك أيضاً تصور التهديد المتنامي من الصين ما دفع اليابان في هذا الاتجاه. تجاوز الاقتصاد الصيني حجم اقتصاد اليابان في عام 2011؛ والفجوة آخذة في الاتساع مع مرور كل عام.

ستواجه الصين قريباً مشكلتها الخاصة المتعلقة بالشيخوخة، نتيجة لسياسة الطفل الواحد التي تطبقها. ولكن الاستراتيجيين اليابانيين أشاروا إلى أن الإنفاق العسكري السنوي للصين، هو الآن أكثر بثلاث إلى أربع مرات من اليابان.

للدولتين مماحكات عسكرية خطيرة، ويخوضان نزاعا إقليمياً حول بعض الصخور القاحلة في بحر الصين الشرقي. وفي الوقت الذي ما زال فيه الغرب يتجادل حول ما إذا كان نهوض الصين يشكل خطراً، لم يعد هناك مثل هذا الجدال في اليابان، حيث بات التخوف الوطني ملموساً، بشكل واضح.

التحديات التي تواجه اليابان معقدة ومتنوعة إلى درجة أن من المستحيل أن تغادر البلاد بمجموعة بسيطة من الدورس. إن التصميم على الحفاظ على التضامن الاجتماعي، واحترام الوعود التي أُعطيت للمواطنين، أمر يدعو للإعجاب. لكن اليابان تدفع كذلك ثمناً مقابل التركيز على الانسجام الاجتماعي.

إن حماية وظائف كبار السن يعمل على تقييد الفرص أمام الشباب، حيث 38 في المائة منهم في وظائف ''غير مستقرة''. كما أن رفض القبول بالهجرة الجماعية من الخارج إلى اليابان، يجعل من الأصعب التعامل مع مجتمع متقدم في السن. التماسك الاجتماعي أمر طيب، لكن يبدو من الغريب أن تقبل أن يُشرف على تمريضك روبوت بدلاً من أحد المهاجرين.

مع ذلك، وعلى الرغم من هذه التحديات الضخمة، فإن المزاج العام في اليابان أكثر تفاؤلاً بكثير، مما كان عليه الحال قبل سنوات. يمكن أن تكون لغة آبي وطنية طافحة، لكن قيادته النشطة خلقت الأمل بأن البلاد تستطيع أن تتحرر من الجمود الاقتصادي. ينمو الاقتصاد بمعدل 4 في المائة تقريباً، كما أن فوز اليابان باستضافة أولمبياد 2020 رفع الروح المعنوية. لا نزال بحاجة إلى مراقبة التلميذات والجدات اليابانيات. لكن لدى اليابان الآن زعيم يجدر بنا أن نراقبه من كثب.

( فايننشل تايمز 18/10/2013 )