الماركسية الجديدة في الدبلوماسية الروسية!
لا أحد ينكر أن ثعالب السياسة ومهندسي الأعداء في التحايل على الأنظمة الدولية وقلبها وفق منظورهم ومصلحتهم ل(الإنجليز) حتى أن ميلاد «ميكافيلي» وتعليماته بدلاً أن تنشأ في إيطاليا كان المفترض أن تكون إنجليزية في جميع مواصفاتها ومناهجها ومكونها..
فالقوانين الدولية والتشريعات العالمية إن لم يكن منشؤها إنجليزياً فهي لا تنجح وتعتمد إلاّ بمباركتهم، وهذا لا يعني أنهم أكثر عقلاً من بقية دول العالم، وإنما لأن تجربتهم في مستعمراتهم ونقل ثقافة وتواريخ وتحليل طبائع تلك الشعوب أعطاهم بعداً سياسياً وقانونياً لا نجده متوفراً عند الشعوب الأخرى، والوطن العربي جزء من الكيانات الدولية الأخرى التي عانت من جيل الإنجليز ويكفي أن «لورانس العرب» «وسنت جون فلبي» أحد أذرعتها في تمرير أهدافها مع عدد هائل من المستشرقين الآخرين الذين جاءوا بأثواب البحث التاريخي، ولكنهم جزء من منظومة بناء الامبراطورية العظمى.
مهارة الدبلوماسية، وخاصة في حالات عقد الاتفاقات بين القوى العظمى أو تقاسم النفوذ وعقد التحالفات بين بعض فصائلها، كان يحتاج إلى مهارة الذكي مع الثقافة الواسعة وهدوء الأعصاب وقراءة الفكر المقابل للمحاور وتاريخه قبل أن ينطق بحججه، ولذلك كان ستالين الزعيم السوفيتي و«المقطر» من الفكر الشيوعي وثقافة ماركس وتراثه الموسوعي ساعدا ستالين وفريق عمله أن يحصلوا في مؤتمر «يالطا» على انتزاع دول لم تكن في حسابهم وخاصة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى لبلدهم وهي براعة المحاور التي اعترف بها الطرف الآخر من الأوروبيين والأمريكان رغم وجود ثعلب السياسة «تشرشل» بنجاحهم السياسي..
هذا الاستهلال بجزئية صغيرة من التاريخ، يدفعنا إلى فهم دبلوماسية روسيا مع أمريكا، وكيف انتصرت الأولى بنزع أنياب الأسد من مغامرة عسكرية في سوريا، وهنا نعود لخلفية كل من الرئيس «بوتن» ووزير خارجيته «سيرجي لافروف» فالأول نشأ وترعرع وعاش سلطة الاستخبارات السوفيتية ال «كي. جي. بي» وهي التي لا يحصل فيها شخص ما على وظيفة متقدمة إلاّ إذا مر باختبارات نفسية وثقافية، وشجاعة أمام المواقف الحرجة وأسلحة رجل الأمن الكتوم وصاحب الأعصاب الباردة، ويبدو أن هذه النشأة لبوتن هيأته أن يكون القيصر الجديد لروسيا المعاصرة بدليل أنه هو من أعاد هيبتها وروح قوميتها ومنافساتها على المقاعد الأولى في عالم اليوم..
لافروف نفس المؤهلات ولكنه مدني في تعليمه وثقافته وممارساته الدبلوماسية، يعرف الإنجليزية، والفرنسية والسنهالية لغة سرلاينكا وعازف (قيثار) وصياد سمك، والأخيرة ربما هي التي ساعدته في المواجهات الدبلوماسية التي تحتاج إلى الصبر وإعجاز الخصم بالدلائل وأحياناً الصمت، إذا كان الدليل غائباً..
روسيا وأمريكا في الحقل السياسي هما المعادلة الجديدة في الأحداث العالمية الراهنة، لكن يبدو أن الروس تفوقوا على نظائرهم الأمريكان، لأن قيادتهم وريثة ثقافة ماركس ولينين أي من صاغوا فلسفة الجدلية التاريخية والاقتصادية والسياسية، والفارق هنا نوعي أي أن أوباما صاحب الحضور الخطابي والمثقف والقانوني، لا يملك الخلفية الثقافية والسياسية التي يملكها الروس والدليل أن أمريكا حضرت لتحسم الأمور بالقوة، بينما الروس تعاملوا معهم بنمط بيئتهم الباردة والجليدية ففاز صاحب النفس الطويل والهادئ على المنفعل السريع، وهي تجربة ستكون مجال تحليل ودراسة لحرب دبلوماسية بنمط جديد وأفق واسع.
( المصدر :الرياض السعودية 21/9/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews