الانقلاب في مصر جدد العلاقة الغرامية بين القاهرة وتل ابيب
إن احدى نتائج الانقلاب العسكري في مصر هي توثق العلاقات من جديد بين القاهرة والقدس. وتفضل الدولتان أن تحافظا على التحسن الكبير لعلاقتهما تحت ستار متعمد من الغموض، ولم يُسجل الآن تنسيق تكتيكي ميداني فعلي فقط، بل تلاق استراتيجي بين المصالح. فبعد سلسلة الانقلابات الدراماتية التي وقعت في مصر منذ كانون الثاني/يناير 2011 أصبح من الصعب جدا أن نتنبأ بما سيحدث في الاشهر القادمة، لكن سُجل في الأمد القصير على الأقل تغيير كبير الى أفضل في وضع اسرائيل الأمني في الجبهتين الجنوبية والغربية.
إن لب القضية هو ما حدث خاصة في واشنطن في مطلع تموز/يوليو هذا العام. فقد بذلت اسرائيل كما قالت الصحف الامريكية في الاسبوع الاول من يوليو جهدا عظيما لتسهيل علاقات السلطة المصرية الجديدة بالولايات المتحدة. وقد كان من المهم جدا للجنرالات المصريين ألا يُعرَّف استبدال السلطة بأنه انقلاب عسكري، رغم العنف الذي استعملوه ضد نظام الاخوان المسلمين برئاسة الرئيس محمد مرسي، لأنه لو عُرفت خطوتهم بأنها انقلاب عسكري، للزم ادارة اوباما بحسب القانون الامريكي أن توقف المساعدة الاقتصادية السنوية لمصر، التي تبلغ مليارا ونصف مليار دولار يخصص أكثرها للمساعدة الأمنية.
وكان يمكن أن يكون هذا الاعلان، خاصة الاجراءات التي توجب على أثره ضربة قاسية للجيش المصري. وكانت للرئيس باراك اوباما تقديرات خاصة به كي لا يعلن أنه وقع انقلاب عسكري. وقد اعتمد مساعدو الرئيس على زعمين: الاول أن ملايين المواطنين المصريين أيدوا خطوات الجيش. والثاني أن الجيش عرض خريطة طريق للعودة الى الديمقراطية. لكنه حدث في واقع الامر في القاهرة انقلاب عسكري كامل، لكن يبدو أن مصالح الادارة الامريكية مع مساعدة ما من اسرائيل وأنصارها، ولا سيما في تل الكابتول، منعت الاعلان. وعرف الجنرالات المصريون كيف يُظهرون حقيقة معرفة الجميل. فقد لوحظت، منذ ذلك الحين، بين القاهرة والقدس علاقة غرامية مفاجئة، وتبارك اسرائيل النشاط الموجه على الارهاب في سيناء وعلى سلطة حماس في غزة.
‘منذ كانت ثورة التحرير في شتاء 2011 تعرضت علاقات اسرائيل بمصر لامتحانات قاسية، وفي واحد من أشدها خُلِّص في آخر لحظة حراس السفارة الاسرائيلية في القاهرة من أيدي جموع غاضبة، على أثر تدخل امريكي فقط. ومع ذلك سُجل من وراء الستار تعاون أمني معقول جدا. جمد الرئيس مرسي بقدر كبير العلاقات في القناة الدبلوماسية، لكنه مكّن المستويين العسكري والاستخباري في مصر من الابقاء على علاقات بنظرائهم الاسرائيليين، الذين استمر كثير منهم في زيارة القاهرة سرا. والجيش الآن هو الحاكم في مصر بالفعل، وقد قويت العلاقات باسرائيل على حسب ذلك.
وفي غزة تتمتع اسرائيل بالضغط المصري اليومي على حماس، كي لا تجرؤ حتى على التفكير في اطلاق قذائف صاروخية على اسرائيل، أو تمكين منظمات فلسطينية أصغر من أن تطلقها. إن قيادة حماس في غزة التي ما زالت مصابة ومتفاجئة من الصورة العنيفة الفعالة التي خُلع بها قادة الحركة الأخت من السلطة في القاهرة، تحرص على الطاعة، بل إنها في عدة حالات اعتقلت ناشطين كانوا يُعدون لاطلاق صواريخ. لكن حماس في الأمد البعيد تواجه معضلة تتزايد: فقبل أن تتأثر علاقاتها بمصر فصلت المنظمة نفسها (بايحاء من الاخوان المسلمين في القاهرة) عن تأثير ايران وسورية، ونددت بأعمال نظام الاسد في الحرب الأهلية في سورية. وكان من نتيجة ذلك أن قُطع تحويل الاموال والسلاح من ايران الى حماس في غزة. وبقيت المنظمة الآن صلعاء من هنا وهناك.
أصابت مصر، في الاسابيع الأخيرة، بالشلل الكثرة الغالبة من مئات أنفاق التهريب التي تعمل تحت الحدود في رفح، وأوقفت نقل المحروقات الى القطاع. وحماس مضطرة الآن، بدل الحصول على محروقات مدعومة من مصر، كما كانت الحال في الماضي، الى استيراد محروقات أغلى بستة أضعاف على الأقل من اسرائيل، ونشأت في القطاع ازمة محروقات شديدة. وخروج السكان من القطاع الى مصر ايضا عن طريق معبر رفح، محدود في ساعات قليلة في النهار. وفي رفح المصرية يهدم الجيش مئات البيوت بالقرب من الحدود بغرض انشاء شريط فاصل يمنع استعمال الأنفاق على مبعدة نحو كيلومتر عن الحدود.
وفي الوقت نفسه تنشر مصر معلومات كثيرة يبدو بعضها على الأقل كاذبا عن مساعدة تقدمها حماس وفصائل فلسطينية اخرى في القطاع الى المنظمات الارهابية الاسلامية في سيناء. وفي شبه الجزيرة نفسه تستعمل مصر عملية عسكرية عنيفة على خلايا الارهاب التي أكثر اعضائها من البدو. وقد قُتل أكثر من 100 ناشط واعتقل مئات كثيرون هناك منذ الشهر الماضي. وفي مقابل ذلك انخفض عدد محاولات العمليات داخل اسرائيل من سيناء، ما عدا واقعة واحدة هي اطلاق قذيفة صاروخية على ايلات في آب/اغسطس.
وقد مكّنت اسرائيل مصر من تجاوز اتفاق السلام وإدخال كتائب من سلاح المشاة والمدرعات ومروحيات واجراء طلعات جوية تصويرية استخبارية في المنطقة لمحاربة الخلايا الارهابية في سيناء. وزاد المصريون ايضا النشاط البحري ازاء شواطئ العريش، بل أطلقوا النار على سفن صيد أسماك غزية دخلت مياه مصر الاقليمية في سيناء.
وفي مصر نفسها يستمر القمع العنيف للاخوان المسلمين، ويرى الجنرالات أن هذه حرب حياة أو موت تحل فيها جميع الوسائل. في مساء العيد فشلت محاولة اغتيال يبدو أنها كانت من قبل احدى المنظمات الاسلامية، لوزير الداخلية المصري، المسؤول عن جهاز الامن الداخلي في الدولة. وسارع الاخوان المسلمون وحركات اخرى الى التبرؤ من المسؤولية عن الواقعة، التي أصيب فيها 23 من المارة بانفجار سيارة مفخخة كبيرة، خشية أن يحاول النظام المصري استخدام الواقعة لخطوات اخرى موجهة عليها. وما زال محللون في وسائل الاعلام المصرية يتهمون المنظمات الاسلامية المحلية، لكنهم أشاروا الى أنه ينبغي فحص مشاركة حماس في العملية. وتبدو هذه مثل نظرية مريبة، لكنها جيدة لكف جماح حماس في غزة.
ويستعمل النظام خطوات اخرى، فقد اعتقل آلاف الناشطين من الاخوان المسلمين، ومنهم وزراء سابقون. وعُزل المسؤول عن جهاز السجون المصري لأنه اتُهم بالتخفيف عن السجناء الموالين للسلطة السابقة. وأُغلقت صحف للحركة، ومقابل ذلك ضُيقت خطوات وسائل اعلامية اخرى وفي مقدمتها شبكة ‘الجزيرة’ القطرية، التي تعتبر مناصرة للاخوان المسلمين. وعُلقت في شوارع القاهرة لافتات عليها صورة الرئيس السابق، حسني مبارك. ونُقل مبارك نفسه الى حجز في ظروف مُحسنة لأن أكثر الجنرالات الموجودين اليوم في الحكم كانوا من رجاله في الماضي.
وانخفض عدد مظاهرات الاخوان المسلمين بالتدريج ازاء خطوات القمع. ويحاول النظام برئاسة الجنرال السيسي أن يعيد هيبة السلطة الى الشوارع ويحث بذلك الاخوان المسلمين والحركات الموالية لهم على نشاط ارهابي سري. وتمنح وزارة الداخلية في جملة ما تمنح، الاجهزة الامنية في الشوارع سلطة الاعتقال، من دون رقابة حقيقية وامكان اطلاق النار على متظاهرين ‘حينما توجب الظروف ذلك’، أي بلا تقييد تقريبا. ويُسجل السيسي والجنرالات لأنفسهم في رضا نجاحات اخرى: ففضلا عن أن واشنطن لم توقف المساعدة، حصلت مصر على مساعدة اقتصادية ضخمة من السعودية ومن إمارات الخليج ومن الكويت. وقد وُعدت الى الآن بـ12 مليار دولار. وتمت في الوقت نفسه خطوات مصالحة أولى مع قطر صديقة الاخوان، التي نقلت الى مصر في المدة الاخيرة 3 سفن تحمل الغاز السائل.
وفي خلفية تحسين العلاقات باسرائيل يوجد السياق الاردني ايضا. أثنى الملك عبدالله في مقابلة صحفية مع صحيفة امريكية قبل نحو من سنة، على سلوك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومنذ ذلك الحين كف صقر العرب عبدالله عن اتهام اسرائيل بافشال مسيرة السلام مع الفلسطينيين. ويمكن أن نُخمن أنه يقف وراء هذا التغيير تفاهم استراتيجي على المصالح المشتركة، الى جانب المساعدة التي تعطيها الولايات المتحدة للاردن. إن كل شيء في الشرق الاوسط الجديد يبدو مؤقتا ويصعب ضمان أن يكون الحديث عن بدء صداقة رائعة، لكن يمكن أن نقول بيقين إنه تلوح تباشير منظومة قوى وأحلاف جديدة في المنطقة نتاج الربيع العربي.
( المصدر : هآرتس 8/9/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews