الهيئات الاقتصادية وشركاؤها... وأسئلة كثيرة
للهيئات الاقتصادية اللبنانية الحق في اضرابها اليوم احتجاجاً على اقتراب مؤسساتها من الانهيار بسبب التردي المتصاعد للأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد الذي انعكس ركوداً اقتصادياً وانخفاضاً لنسبة النمو، والذي بدأ يدفع أرباب الأعمال المتوسطة والصغيرة الى اقفال مؤسساتهم أو التفكير فيه، والذي قد يدفع في مستقبل غير بعيد أرباب الأعمال الكبيرة اما الى الاقفال واما الى خفض النفقات. والأمران يعنيان رفع نسبة البطالة بتسريح العمال والموظفين. ومن شأن ذلك ليس تعريض الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي في البلاد الى الخطر لأنه أساساً مفقود، بل دفع اللبنانيين الى دخول مرحلة الفوضى الشاملة. وما يسهل ذلك الانحلال العملي للدولة ومؤسساتها وفقدان اللبنانيين الثقة بها وتوزعها على الطوائف والمذاهب "المتواجهة"، لا بل على التيارات والأحزاب والعشائر والقبائل والزعامات النافذة فيها. لكن السؤال الذي يطرحه هنا لبنانيون كثيرون يعرفون الوضع اللبناني والأوضاع في المنطقة، هو هل سيحقِّق اضراب الهيئات الاقتصادية المتنوعة اليوم أهدافه؟ والسؤال الثاني الذي يطرحه الجميع هو ما هي هذه الأهداف؟ والسؤال الثالث ما هي وسائل تحقيق الأهداف؟ وهل هي قابلة للتحقيق؟ وهل تتمتع الهيئات الاقتصادية بما يلزم كي تحققها؟
والصدق مع الذات ومع الناس يقتضي الاعتراف بأن الأجوبة عن الأسئلة المطروحة هذه وعن أسئلة أخرى كثيرة غيرها أمر بالغ الصعوبة. كما يقتضي الاعتراف وبشيء من الخوف والقلق أن الأجوبة القليلة التي قد تتوافر لن تحمل الحلول التي تسعى اليها الهيئات الاقتصادية، والتي يتمنى الوصول اليها شركاؤها في الانتاج أي العمال والموظفون والأجراء والمستخدمون. ولا يعود ذلك الى نقص في الشجاعة عند قادة الهيئات ولا عند قادة شركائهم. كما لا يعود الى نقص في الرؤية أو في المعرفة. لكنه يعود الى أمور عدة أخرى يُسأل عنها هؤلاء وأولئك كما كل اللبنانيين وان بدرجات متفاوتة، وتعبِّر عنها الأسئلة الآتية:
1 - هل وصل الانقسام الطائفي والمذهبي والسياسي الى الهيئات الاقتصادية وشركائها في الانتاج؟
2 - هل تسعى الهيئات الاقتصادية الى حل مرحلي أو موقت يعيد الحركة السياحية الى لبنان ودوران عملية الانتاج في قطاعات أخرى منها الصناعة؟ أم أن لديها مشروعاً مدروساً ومفصّلاً يضع الاقتصاد اللبناني المتدهور على طريق العافية من جديد؟
3 - هل الحل المرحلي أو الموقّت مثل "تأليف حكومة جامعة" كما سمعنا أحد أرباب الهيئات الاقتصادية يقول أمس يحقِّق الهدف؟ أم أنه يُدخِل الهيئات في صميم الصراع الطائفي والمذهبي والسياسي الدائر؟ وهل تأليف حكومة جامعة يوفر البيئة الملائمة للانتاج الصناعي والزراعي وللسياحة وقطاعات أخرى أم يزيد هذه البيئة توتراً وعدم استقرار؟ وهل الحكومة الجامعة هي التي يتصورها رئيس الجمهورية أو فريق 8 آذار أو فريق 14 آذار؟ وهل تستطيع الهيئات الاقتصادية فرض حكومة جامعة؟ وهل تمتلك تصوراً لها؟ وهل هي مستعدة لـ"القتال" بالمعنى المجازي طبعاً من أجل فرضها أو إقناع رؤساء أو زعماء الشعوب اللبنانية بها؟
4 - هل وحدة الهيئات الاقتصادية مضمونة وقابلة للاستمرار في حال استُدرِجت لتكون طرفاً في الصراع؟ وماذا تفعل اذا استقطب البعض شركاءها في الانتاج ووضعوهم في مواجهتها؟ وذلك ممكن لتقارب المصالح ولتناقض "الجذور" وللتسييس أو للتطييف أو للتمذهب أو للتجاذب الذي يتعرض له الفريقان من زمان. وقد يكون مشروع قانون "سلسلة الرتب والرواتب" شرارة هذا الأمر.
5 - هل إن تحرّك الهيئات الاقتصادية جزءٌ من الصراع الدائر هدفه توفير دعم غير مباشر لأحد افرقائه؟ وهل تمتلك خطة لليوم "التالي"؟
في اختصار ليس الهدف من كل ذلك "تيئيس" الهيئات وشركائها في الانتاج، بل هو تبصيرهم بالواقع كي يحتفظوا بوحدتهم وتالياً بدورهم. وهو أيضاً دفعهم الى التحوّل فريقاً وطنياً عابراً بالفعل للطوائف والمذاهب وقادراً من خلال الاهتمام بلقمة الناس، وغالبيتهم الساحقة عمال وأجراء ومستخدمين وموظفين في قطاع عام أو خاص، التي لا يؤمنها الاقتصاد وحده بل دولة متماسكة. والمقصود فريق وطني قادر على مواجهة قادة العمل الرسمي والسياسي والوطني في لبنان وخصوصاً بعدما طيَّفوه ومذهبوه و"مصلحوه" (من مصالح). فهل يمتلكون الشجاعة للاقدام على هذه الخطوة؟
( المصدر : النهار اللبنانية 4-9-2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews