الاقتصاد الصيني يضع الطلب على النفط على مفترق طرق

الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الصين على مدى السنوات العشر الماضيات تتعثر في الوقت الحاضر؛ حيث تواجه البلاد أزمة ائتمانية حادة بعد سنوات من الاستثمار في البنية التحتية التي تم تمويلها بالدرجة الأولى عن طريق الاستدانة. إن محاولات الحكومة الصينية لإعادة التوازن إلى اقتصاد البلاد، بحيث المستهلك يقود النمو الاقتصادي وليس عن طريق الاستدانة من الحكومة، لا يتحقق بالسرعة الكافية. نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين لا يزال مرتفعا، لكنه تباطأ في الآونة الأخيرة، حيث إن المؤسسات والمنظمات المعنية مستمرة بإعادة النظر في توقعات النمو الاقتصادي للصين. إن التداعيات المترتبة نتيجة هذا التباطؤ على أسواق النفط العالمية واضحة للعيان. لقد استحوذت الصين على نحو 40 في المائة من الزيادة في الطلب العالمي على النفط للفترة من عام 2000 حتى عام 2012، مما جعلها إلى حد كبير أكبر محرك لدورة السلع العظمى. لكن النمو قد تراجع بصورة كبيرة في هذا العام، مما يقلل من إمكانية ارتفاع أسعار النفط في المدى القريب فوق نطاق 115 – 120 دولارا للبرميل على افتراض عدم حدوث تعطل كبير في إمدادات النفط العالمية.

التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للصين قد ينمو بنحو 7.8 في المائة في هذا العام. إن هذا النمو لا يزال يعتبر مرتفعا مقارنة مع الاقتصادات الأخرى، لكن هذا التوقع قد انخفض بنسبة نقطة مئوية كاملة في الأشهر الـ 15 الماضية، كما تشير الدلائل إلى أن قطاع الصناعات التحويلية في الصين ينمو بأسرع من الطلب المحلي في وقت أسواق التصدير تتقلص. لقد نما اقتصاد الصين بنسبة 7.5 في المائة للفترة من نيسان (أبريل) إلى حزيران (يونيو) من هذا العام، تشير الأرقام الرسمية إلى أن هذا يمثل ثالث تباطؤ على التوالي في نمو الربع السنوي للاقتصاد الصيني. ويقول صندوق النقد الدولي في آخر تحديث لتقريره عن توقعات الاقتصاد العالمي ''إن توقعات نمو الاقتصاد الصيني قد خيم عليها تصاعد نقاط الضعف المحلية في قطاعات التمويل، المال والعقارية''.

الطلب الظاهري على النفط في الصين، الذي يعبر عن صافي الواردات النفطية زائد إنتاج النفط الخام المحلي، كان بحدود 10.1 مليون برميل في اليوم للفترة من كانون الثاني (يناير) إلى حزيران (يونيو) من هذا العام، وهو بالكاد تغير عن نفس الفترة من العام الماضي. إن سياسة الصين بعدم الإفصاح عن خزينها النفطي الاستراتيجي تقوض بدرجة كبيرة اليقين بخصوص أرقام الطلب الكلي على النفط الصيني. لكن مستويات تجارة النفط الصينية هي أكثر شفافية. الشيء الحاسم بالنسبة لأسواق النفط العالمية هو أن صافي واردات النفط الصيني حتى الآن في هذا العام مساوية للعام الماضي، وصافي واردات المنتجات النفطية أقل بصورة ضئيلة.

السؤال الأساسي هنا هو: ما قوة تعامل الحكومة الصينية مع التباطؤ الاقتصادي؟ في الوقت الحاضر سياسة الحكومة الصينية هي محاولة إعادة توجيه الاقتصاد نحو الاستهلاك وبعيدا عن الاعتماد على التصنيع. تعتبر هذه خطوة محفوفة بالمخاطر خصوصا أن آفاق النمو الاقتصادي العالمي حاليا هي هشة في أحسن الأحوال. صمود الاقتصاد الصيني خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2010 كان إلى حد كبير عن طريق الاستثمار الممول عن طريق الائتمان الذي ترك الحكومات المحلية مع شبح الديون الكبيرة. لكن الحكومة الصينية أعلنت أخيرا أنها لن تتخلى عن إجراءات التحفيز لسد الفجوة، وستركز على تقليص مديونية البنوك وحكومات المقاطعات، في نفس الوقت سوف تستهدف الإصلاح الهيكلي.

إن الالتباس حول السياسة النقدية والمالية للصين يخلق حالة عدم يقين كبيرة للقطاع النفطي. إن شركات البناء هي المستهلك الرئيسي لوقود الديزل في مجال النقل البري. لكن الطلب على زيت الغاز انخفض بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، للمرة الأولى منذ عام 2009. كما أن التراجع في الطلب عليه تسارع إلى 7 في المائة في هذا العام. الطلب على النفثا، التي تستخدم على نطاق واسع لإنتاج البلاستيك لعمليات التصنيع يتوقع الآن أن ينمو بمعدل 0.6 في المائة فقط في هذا العام، مقارنة بما يقرب من 5 في المائة لعامي 2011 و2012 وأكثر من 30 في المائة في عامي 2009 و2010.

الطلب على البنزين فقط هو واحد من النقاط المضيئة القليلة بالنسبة للشركات النفطية في الصين في الوقت الحاضر، على خلفية الزحف العمراني وتنامي الثروة الشخصية التي أدت إلى خلق جيل جديد من السائقين. لقد نمت أسواق البنزين في الصين بنحو 19 في المائة تقريبا في كل من عامي 2011 و2012، وتباطأ النمو في هذا العام إلى 9 في المائة، هذا يمثل معدل نمو في الطلب على البنزين يقرب من 700 ألف برميل في اليوم منذ عام 2010. لكن هذا النمو في استهلاك البنزين هو الآخر عرضة لأزمة الائتمان. إن تمويل السيارات قد نما بسرعة، حيث إن نحو 10 في المائة من السيارات التي تشترى الآن في الصين يتم تمويلها عن طريق الائتمان. إن أزمة الائتمان البسيطة التي شهدتها الصين في حزيران (يونيو) الماضي هزت تجارة السيارات وهددت بتعثر نمو المبيعات.

إن الاقتصاد الصيني قد يحتاج إلى فترة من التشدد في السياسة النقدية، لكن هذا الإجراء قد يتمخض عنه تباطؤ مفاجئ حاد في الاقتصاد، قد يؤدي إلى ضرب الطلب المحلي على النفط بقوة، بالنتيجة قد يربك أسواق النفط العالمية.

( المصدر : الاقتصادية السعودية 28-8-2013 )