هل تنقذ أميركا الصين من أزمة مالية؟
تشكل اقتصاد القرن الحادي والعشرين حتى الآن بفعل تدفقات رأس المال من الصين إلى الولايات المتحدة، وهو النمط الذي كبح أسعار الفائدة العالمية، وساعد في إعادة تضخيم فقاعة الروافع المالية (الإنفاق بالاستدانة) في العالم المتقدم، ومن خلال تأثيره على سوق العملة غذى صعود الصين الهائل السرعة.
لكن هذه لم تكن تدفقات رأسمالية عادية، فبدلا من أن يحركها الاستثمار المباشر أو الاستثمار في الأوراق المالية، كانت تأتي في المقام الأول من بنك الشعب الصيني، الذي جمع 3.5 تريليونات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي وأغلبها في هيئة سندات خزانة الولايات المتحدة.
وكان الانتباه إلى أن مؤسسة واحدة تملك كل هذا النفوذ والتأثير على اتجاهات الاقتصاد الكلي العالمي سببا في إثارة قدر كبير من القلق، حيث يتوقع المتشائمون أن الشكوك حول استدامة ديون الولايات المتحدة سوف ترغم الصين على بيع حيازاتها من ديون الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع في الولايات المتحدة، وقد يعطي في نهاية المطاف إشارة انهيار الدولار.
لكن بيع سندات خزانة الولايات المتحدة لا يصب في مصلحة الصين، لأن هذا من شأنه أن يرفع سعر صرف الرنمينبي في مقابل الدولار، فيؤدي إلى انخفاض قيمة احتياطيات الصين داخليا وتقويض القدرة التنافسية لقطاع التصدير. والواقع أن تقريرا صادرا عن وزارة الدفاع الأميركية في العام الماضي حول العواقب المترتبة على الكميات الهائلة من ديون الولايات المتحدة لدى الصين يخلص إلى أن "محاولة استخدام سندات خزانة الولايات المتحدة كأداة قهر لن يخلف سوى تأثير محدود ومن المرجح أن يكون أكثر إضرارا بالصين.
ولوصف العلاقة التكافلية بين نمو الناتج المحلي الإجمالي القائم على التصدير في الصين والاستهلاك المفرط في الولايات المتحدة، صاغ المؤرخان الاقتصاديان نيال فيرغسون وموريتز شولاريك المصطلح "تشايميريكا".
"تشايميريكا" سبب في تشوهات مروعة بالاقتصاد العالمي
والواقع أن استحضار كائن خرافي من الأساطير الإغريقية كائن متوحش ينفث النار ويشبه الأسد والماعز والتنين يجعل المصطلح أكثر ملاءمة، وذلك لأن "تشايميريكا" كانت سببا في ولادة تشوهات مروعة في الاقتصاد العالمي ولا يمكن تصحيحها من دون عواقب وخيمة.
في العام 2009، دفعت هذه التشوهات فيرغسون وشولاريك إلى التنبؤ بانهيار تشايميركا -وهي النبوءة التي يبدو أنها بدأت تتحقق.
فبعد أن بدأت التأثيرات الطويلة الأجل على الديناميكية الاقتصادية الداخلية في الصين تتجلى أخيرا، يصبح بيع احتياطيات النقد الأجنبي الآن في مصلحة الصين.
وعلى مدى العقد الماضي، كانت الكميات الهائلة من رؤوس الأموال التي تم ضخها إلى شرايين النظام المصرفي في الصين سببا في دفع البنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية إلى توسيع الائتمان إلى حد كبير، وخاصة من خلال نظام الظل المصرفي، مما أدى إلى نشوء فقاعة ائتمان هائلة وفرط الاستثمار الشديد.
ومن أجل تيسير إدارة الزيادة الناتجة في المخاطر، يرفض قادة الصين الجدد الآن تقديم المزيد من السيولة، ويعملون على الحد من القروض المقدمة للقطاعات غير المربحة.
لكن هذه الجهود قد تؤدي إلى إشعال أزمة مالية، وهذا يلزم الصين بإطلاق برنامج ضخم لإعادة تمويل النظام المصرفي. وفي مثل هذا السيناريو، قد تبلغ القروض المتعثرة في النظام المصرفي في الصين نحو تريليون دولار أميركي تقريبا.
وتتلخص الوسيلة الأكثر وضوحا لإعادة تمويل البنوك في الصين في ضخ ديون الحكومة المقومة بالرنمينبي إلى القطاع المصرفي.
لكن إجمالي الدين العام في الصين، بما في ذلك أدوات تمويل الحكومات المحلية خارج الميزانية، قد يبلغ نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي بالفعل.
ورغم الجدال حول التفاصيل، فإن الخلاصة التي توصل إليها كينيث رغجوف وكارمن راينهارت -بأن ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من شأنه أن يعوق النمو الاقتصادي- تظل مقبولة على نطاق واسع، لذا من غير المرجح أن يصب رفع نسبة الدين إلى 100% في صالح الصين في الأمد البعيد.
وحتى إذا قرر قادة الصين أن لديهم حرية العمل اللازمة لمتابعة هذه الإستراتيجية، فإنهم لن يفعلوا ذلك على الأرجح، بسبب خطر التضخم، الذي ربما يميل أكثر من أي متغير اقتصادي آخر إلى تغذية الاضطرابات الاجتماعية.
هل تبيع الصين مخزونها من ديون الولايات المتحدة؟
ومن هنا فإن الصين، في حال اندلاع أزمة، سوف تضطر على الأرجح إلى البدء في بيع المخزون الهائل لديها من ديون الولايات المتحدة. ومن حسن حظ الصين أن العواقب السلبية التي قد تترتب على هذه الخطوة سوف تكون أقل وطأة من التكهنات السابقة.
لا شك أن ضخ سندات الخزانة الأميركية إلى شرايين القطاع المصرفي، وتحويلها في وقت لاحق إلى الرنمينبي، سوف يؤدي إلى زيادة قوة العملة الصينية. ولكن الارتفاع سوف يقابله في الأرجح تدفقات رأس المال إلى الخارج، مع تمكين المدخرين بفضل تخفيف ضوابط رأس المال من الإفلات من الأزمة المالية. وعلاوة على ذلك، فحتى إذا أصبح الرنمينبي أكثر قوة في الأمد القريب، فإن الصين لم تعد تعتمد بنفس القدر السابق على الحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات كما كانت الحال ذات يوم، وذلك لأن الصادرات الآن، باستثناء التجميع وإعادة المعالجة، تساهم بأقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين.
وعلى هذه الخلفية، يتعين على بنك الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة، بدلا من التركيز على "الخفض التدريجي" لمشترياته الشهرية من الأوراق المالية الطويلة الأجل (التيسير الكمي)، أن يعد نفسه لبيع محتمل لديون الولايات المتحدة.
ولأن إعادة تمويل النظام المصرفي في الصين بتمويل من مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي من شأنه أن يبطل أثر السياسة النقدية في الداخل، ويدفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع ويعوق نمو الناتج المحلي الإجمالي، يتعين على الاحتياطي الاتحادي أن يكون مستعدا لمواصلة التيسير الكمي في حال اندلاع أزمة مالية في الصين.
وبعد إنفاق سنوات في محاولة عزل اقتصاد الولايات المتحدة عن التأثيرات الناجمة عن أزمتها المصرفية، قد يضطر مجلس الاحتياطي الاتحادي في نهاية المطاف إلى إنقاذ البنوك في الصين أيضا. وهذا من شأنه أن يعيد جوهريا تعريف العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ويعيد التوازن إليها أيضا كما نرجو.
( المصدر : بروجيكت سينديكيت 27-8-2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews