السعودية وقانون " جاستا " : رب ضارة نافعة
أصبح في حكم المؤكد أن قانون جاستا الذي أقره الكونجرس الأمريكي مؤخرا والذي يسمح لمتضرري 11 أيلول بمقاضاة السعودية ، بات قانونا نافذا بعد رفض الكونجرس فيتو أوباما لأول مرة في عمر هذا الرئيس الضعيف الذي ستنتهي ولايته بداية العام المقبل .
ولكي لا نغبن القضية حقا من حقوقها ، فإنه من الضروري التوضيح بأن هذا القانون يجيء عن سبق نية مبيتة فشلت محاولات شبيهة له ذات تقرير رسمي أمريكي مكون من 28 صفحة صدر بعد جدال وترقب ، وبرأ السعودية من أية مسؤولية عن الهجمات ، مما دفع بالجشعين والمتعطشين للمال والمحرضين على المملكة سياسيا إلى استغلال انتخابات الكونجرس التي يحمى وطيسها هذه الأيام من أجل إقرار مثل هكذا قانون يتعارض مع المبادئ الدولية العامة المتعلقة بسيادة الدول وحصانتها ، ويطعن العلاقات التاريخية بين واشنطن والرياض في الظهر .
ولأن عشرات المقالات والتحليلات والندوات أشبعت تبعات مثل هذا القانون على علاقات الرياض ودول الخليج عموما بواشنطن ، فإنني سأكتفي بتأكيد حقائق ربما لم يتنبه إليها البعض ، وذلك للفائدة :
إن المملكة العربية السعودية ، ليست دولة ناشئة وضعيفة وبالإمكان هز أركانها وأمنها السياسي والإقتصادي من خلال قانون غبي ضرب مصالح أمريكا عالميا من أجل تحقيق مصالح انتخابية ضيقة ، ومماشاة تيارات ولوبيات ودول معادية للعرب والمسلمين ، ولو سلمنا جدلا بأن كل القضايا التي قد ترفع على السعودية سيتم كسبها فإن بإمكان الرياض تغطية كل تلك المحاكمات بمليارين أو ثلاثة أو أربعة مليارات وكان الله بالسر عليما ، ولكن القضية الأخطر هي أن الثقة بين السعودية والرياض ضربت في الصميم هذه المرة ، وباتت الرياض تدرك وشقيقاتها الخليجيات بأن علاقاتها الإستراتيجية مع واشنطن لم تعد ولن تعود إلى ما كانت عليه من الثقة والإعتبار ، وذلك لأسباب موضوعية أبرزها استدارة أمريكا عن المنطقة ونفطها وتوجهها إلى أماكن أخرى ، وممالأتها لإيران على حساب مصالح العرب بشكل عام ، مما سيخلق في الفترة القادمة استدارة عربية مقابلة وإشاحة الوجه عن حليف لم يقدم في الحقيقة للمنطقة وشعوبها سوى الحروب والفيتو واستمرار الأزمات وتعليقها إلى ما لا نهاية .
السعودية ، كما قلنا ، دولة قوية ودولة عظمى على مستوى الإقليم ، واقتصاديا على مستوى العالم ،وليس هناك من خوف عليها ، حتى في دولة مثل أمريكا ، بل إن العكس هو الصحيح ، وهو ما صرح به مدير الإستخبارات الأمريكية، فهي تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في سندات الخزانة الأمريكية ، وتجيء في المرتبة الثالثة بعد الصين " بواقع تريليون و300 مليار دولار ، تليها اليابان بواقع تريليون ومليار دولار ، وتجيْ السعودية ثالثا بواقع 600 مليار دولار ، وهذا في السندات فقط ، أما إذا تحدثنا عن الإستثمارات السعودية الحكومية والخاصة الأخرى فسنجد بأن السعودية قد تتصدر المشهد حيث يوجد لها مبلغ 285 مليار دولار كسيولة في البنوك الأمريكية، وهناك سندات دين آجلة بواقع 364 مليار دولار ، وسندات دين عاجلة بواقع 62 مليار دولار ، وغيرها ، وهناك تقديرات بأن حجم الإستثمارات السعودية في أمريكا يبلغ 3 تريليون دولار ، وهي تقديرات من مختصين أمريكيين .
من أجل كل ذلك فإنه لا خوف على السعودية كما قلنا ، فرب ضارة نافعة ، إذ ستصبح الرياض ومعها شقيقاتها في الخليج أكثر وثوقا الآن من أن العالم ليس فقط الولايات المتحدة ، وإنها حليف لا يمكن الركون إليه، وعليه ، فإن بالإمكان استبدال الحليف بآخر ، أو على الأقل إشراك آخرين معه في قيادة عجلة المصالح الدولية التي لا تتوقف عن الدوران .
لقد أغفل الذين أقروا القانون المفصل خصيصا للسعودية ،بأنه سيرتد على الولايات المتحدة نفسها ، فبإمكان الدول الآن إقرار قوانين تحاكم فيها جنودا أمريكيين ومواطنين أمريكيين استفادوا من الحروب والقلاقل التي أحدثتها آلة الحرب الأمريكية في المنطقة العربية وفي الإقليم ، بل ومحاكمة الحكومة الأمريكية ومسؤوليها، وكل شي بحسابه .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews