نكبة الفلسطينيين.. ونكبات العرب
قبل أيام حلت الذكرى الثامنة والستون لنكبة الشعب الفلسطيني. وكما جرت العادة، تسابق الكتاب والخطباء في تذكر ما حدث في مايو/أيار 1948، وكأنما هم في حفل تأبين، وكانت هناك مسيرات أيضاً غلبت عليها الشعارات والتمسك بالأرض وحق العودة. طبعاً ليس مقصوداً التقليل من أهمية «إحياء» الذكرى، ولكن المقصود أن عملية «الإحياء» تتطلب أكثر من مجرد التذكر، حتى يكون لها معنى ولا تقع في حكم «العادة والاعتياد»، فلا ينتهي الموسم وينفض السامر دونما فائدة سوى إضافة سنة إلى عدد السنين المنقضية، ولكن ليس إلى ما كان عليه فهمنا في السنة المنصرمة.
نتحدث في الذكرى عن «نكبة 1948»، وكأنها النكبة الوحيدة التي أصابتنا، وواقع الحال أن تلك النكبة ربما تكون الأقل خطراً في سلسلة النكبات والكوارث التي تعرضنا لها منذ ذلك التاريخ. فبالرغم من الظروف التي سادت أيام النكبة وما قبلها، كان يمكن أن تتطور الأمور على غير ما تطورت إليه لو كان هناك من العرب والفلسطينيين من تعلم واستفاد من أحداث النكبة. وهنا أتساءل: ألم تكن حرب يونيو/حزيران نكبة؟ وماذا عن حرب 1973؟ وماذا تسمى «اتفاقية كامب ديفيد» 1978، و«المعاهدة المصرية - الإسرائيلية» 1979؟ وماذا نسمي «الاعتراف المتبادل» بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين «إسرائيل» في عام 1988؟ وما الاسم الذي يمكن أن نطلقه على «اتفاق أوسلو»؟ وهل الانقسام الفلسطيني الذي وقع في يوليو/تموز 2007 كان اختلافاً في الرأي أو نكبة كبرى؟ وما الذي جرى ويجري في البلدان العربية منذ مطلع 2011؟
إن ما حدث في يونيو/حزيران 1967 كان نكبة أكبر من نكبة 1948، والسبب الرئيسي أننا لم نتعلم شيئاً جوهرياً في العشرين سنة التي تلت النكبة الأولى. فبدلاً من أن نتعرف بشكل أفضل إلى المشروع الصهيوني في المنطقة، وما يعنيه قيام «دولة إسرائيل» وموقعها فيه، فيدفعنا ذلك للاستنتاجات الصحيحة المتعلقة بخطره وخطرها على فلسطين وشعبها وقضيته، وكذلك على الأمة العربية والوطن العربي، دفعت الهزيمة الحكام العرب لبدء العد التنازلي للقبول بالدولة العبرية، وضمناً بمشروعها الصهيوني. وفي مؤتمر الخرطوم الذي عقد في عام 1967، ولاءاته الثلاث، والذي اعتبر «مؤتمر الصمود»، كان الشعار الأساسي (إزالة آثار العدوان)، أي أن ما جرى قبل 1967 صار قابلاً للنقاش بعد (إزالة آثار العدوان). أما «حرب أكتوبر/تشرين الأول التحريرية» 1973، فكان الاستنتاج فيها أن «قضية فلسطين استنزفت العرب» وكانت المسؤولة عن تخلفهم وفقرهم وكل بلاويهم»، وأنها يجب أن تكون «آخر الحروب» وأنه «آن أوان إحلال السلام في المنطقة»! وليس من ضرورة للتوقف في هذه العجالة عند كل نكبة فهي كثيرة، وقيل فيها الكثير غير المجدي، ويبقى الأهم هو إلى أين وصلنا بعدها؟
فلسطينياً، ليس بين أعدى أعداء الفلسطينيين من يتمنى لهم أسوأ من الوضع الفلسطيني الراهن. الأرض الفلسطينية تختفي بسرعة، بعض «السلطة الوطنية الفلسطينية» مجرد فرع من فروع الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، الانقسام الفلسطيني يترسخ ويلغي وحدة الشعب والأرض. الفصائل الفلسطينية المسلحة تتصارع على سلطة وهمية وفتات من الأرض والشعب والمساعدات! مع ذلك وبالرغم منه، لم يقصر الشعب فيما هو مطلوب منه: ما زال متمسكاً بحقوقه الوطنية في الأرض وفي العودة وفي تقرير المصير، مستعداً للتضحية بالنفس قبل أي شيء آخر؛ لإنهاء الاحتلال ودحر المحتل. والجيل الفلسطيني الذي لم يعايش النكبة، ولم يعاصر (أوسلو) يقدّم إجابة مخضبة بالدم رداً على كل المتخاذلين والمفرطين، لكنه يترك وحيداً!
عربياً، لم يعد في الدول العربية من يضع القضية الفلسطينية على جدول أعماله. أما دولياً، فالجميع يرى أن «إسرائيل» تعيش في عزلة وأن العالم بمن فيه حلفاؤها الاستراتيجيون قد تعبوا منها وأصبحوا ينظرون إليها كعبء يجب التخلص منه، ويبدو أنه ليس أمامهم إلا «الانتظار وترك الزمن يحل المشكلة ويفرض الحل»!! وهناك من يستبشر خيراً بما يرى من «تحولات» داخلية تحدث في «إسرائيل» هي كفيلة بانهيارها من الداخل في نهاية الأمر، وهؤلاء وأولئك ليس لديهم ما يفعلونه غير الانتظار!
يبقى على الفلسطيني أن يفهم أن عليه وحده، ودون تأجيل، أن يقوم بكل العمل اللازم لإقناع العرب والعالم، والإسرائيليين قبل أولئك، بأنه متمسك بحقوقه الوطنية كاملة في فلسطين، ولن يكون ذلك إلا بالأفعال. وليس من سبيل إلى ذلك قبل أن ينجح في ترتيب بيته الداخلي!
(المصدر: الخليج 2016-05-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews