لماذا ارتفعت أسعار النفط إلى 43 دولارا للبرميل؟

كان من اللافت للانتباه أن ترتفع أسعار النفط ثم تستقر فوق 43 دولاراً لبرميل الأوبك رغم عدم خروج اجتماع المنتجين في الدوحة في منتصف أبريل الماضي، باتفاق على تجميد الإنتاج عند المستويات التي كانت عليها في يناير الماضي.

وقد توقعت في مقال سابق أن يكون الاتفاق ممكنا إذا ما انضمت إليه إيران، أو أن لا يكون الاختلاف مؤثراً باعتبار أن الزيادة التي ستضخها إيران لن تكون كبيرة ويمكن استيعابها إما نتيجة انخفاض الإنتاج لدى منتجين آخرين، أو زيادة الطلب على النفط نتيجة النمو السنوي المعزز بمستويات أسعار متدنية للنفط.

وقد جاءت التطورات بعد ذلك لتؤكد صحة هذه التوقعات، وهو ما بدا واضحاً من بيانات التقرير الشهري لمنظمة الأوبك والذي صدر يوم الجمعة الماضي، وتم نشره على موقع المنظمة، ومن تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي أكد أن الفائض العالمي في عرض النفط سيتقلص بشكل كبير في وقت لاحق هذه السنة نتيجة الحرائق الضخمة التي خفضت إنتاج كندا وارتفاع الطلب في الهند. وبتفحص البيانات التي وردت في تقرير الأوبك يتبين ما يلي:

1-إن الطلب العالمي على النفط قد ارتفع في مارس 2016 بنحو 1.2 مليون برميل عما كان عليه قبل سنة ليصل إلى 94.2 مليون برميل. وفي المقابل انخفض الإنتاج من غير الأوبك في سنة بنحو 700 ألف ب/ي ليصل إلى مستوى 56.4 مليون ب/ي. وبالنتيجة فإن الطلب على نفط الأوبك في الفترة ذاتها قد ارتفع بنحو 1.8 مليون ب/ي إلى مستوى 31.5 مليون ب/ي-إضافة إلى زيادة إنتاج الأوبك من سوائل الغاز بنحو 200 ألف ب/ي- مما يعني تقليص فائض المعروض النفطي في الأسواق العالمية. وقد ترتب على ذلك أن الزيادات في المخزون التجاري العالمي من النفط قد انخفضت قليلاً إلى 3049 مليون برميل مقارنة بـ 3060 مليون برميل في شهر فبراير.

2- إن نمو الطلب على النفط سيستمر في عام 2016 نتيجة تحسن الوضع الاقتصادي العالمي، حيث توقع تقرير الأوبك أن ينمو بمعدل 3.1% مقارنة بـ 2.9% في عام 2015، وأن ذلك سيتحق من نمو الاقتصاد الهندي بنسبة 7.5% ونمو الاقتصاد الأوروبي بنسبة 1.6%.

3- إن نمو المعروض العالمي من النفط سيواصل تراجعه، حيث تقلص عدد الحفارات العاملة في شهر أبريل على مستوى العالم بنحو 127 وحدة إلى مستوى 1480، منها 436 حفاراً في الولايات المتحدة.

الجدير بالذكر أن التراجع يتم بوتيرة مرتفعة حيث كان عدد الحفارات في الولايات المتحدة في نهاية عام 2015 نحو 977 حفاراً، مما يعني أنها انخفضت بأكثر من النصف في غضون عدة شهور.

4- إن الزيادة في إنتاج الأوبك من النفط تتم بوتيرة منخفضة، حيث ارتفع الإنتاج في شهر أبريل بمعدل 188 ألف ب/ي، رغم أن إيران قد زادت إنتاجها في نفس الشهر بنحو 198 ألف ب/ي، وزادت العراق إنتاجها بنحو 156 ألف ب/ي. وقد نتج ذلك عن تراجع إنتاج الكويت بنحو 132 ألف ب/ي، ونيجيريا بنحو 56 ألف ب/ي، إضافة إلى انخفاض إنتاج نحو 6 دول أخرى بمعدلات هي: السعودية وفنزويلا والجزائر والإكوادور وليبيا وقطر.

وهكذا فإن إيران قد قامت بتنفيذ وعودها بزيادة إنتاجها منذ شهر ديسمبر الماضي بنحو 571 ألف ب/ي، وأنه قد تم استيعاب هذه الكمية على نحو ما أشرنا إليه أعلاه، إما من خلال زيادة الطلب على نفط الأوبك، أو بتراجع إنتاج منتجين آخرين داخل أوبك وربما خارجها.

5- إن اشتداد حالة التوتر السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط لم يكن لها تأثير على أسعار النفط، حيث إنه رغم استمرار المعارك في كثير من الجبهات الساخنة، إلا أن ذلك ظل خارج التأثير المباشر على الأسعار. وعلى النقيض من ذلك فإن أي انقطاع في الإمدادات النفطية نتيجة الحرائق كتلك التي ضربت كندا والكويت قد ساهمت بشكل ملحوظ في دعم ارتفاع أسعار النفط.

والخلاصة، أنه على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن سوق النفط العالمية قد دخلت في حالة توازن تفرضها معطيات العرض والطلب، وأنه مع استمرار تراجع المعروض من النفط من خارج الأوبك، وبوجه خاص من الولايات المتحدة الأمريكية، ونمو الطلب العالمي بسبب الأسعار المنخفضة نسبياً، وبسبب تحسن أداء الاقتصاد العالمي، وخاصة في الهند وأوروبا. وقد يضطرب التوازن بما يُحدث زيادة في الأسعار في حالات استثنائية قد تنتج عن انقطاع مفاجئ في الإمدادات، وقد تتأرجح أسعار نفط الأوبك لبعض الوقت ما بين 40-45 دولارا للبرميل.

(المصدر: الشرق القطرية 2016-05-15)