هل تراجعت السعودية وتقدم الحوثيون في اليمن ؟
إذا كان الحوثيون تجرأوا وأطلقوا صواريخ باليستية على جيزان والأراضي السعودية في غمرة عقد بوادر اتفاق على إطلاق معتقلين بمناسبة رمضان، فإن إطلاق الصواريخ لم يكن ليتم ، لولا قراءة إيران للمزاج الأمريكي بناء على" معلومات " أن واشنطن لن تفعل شيئا ، بل ستواصل ممارسة الضغط على السعوديين من أجل استمرار المفاوضات في الكويت بغض النظر هل أطلقت صواريخ أم لا ، وهل هاجم الحوثيون باب المندب أم لا ، وهل قصفوا تعز أم لا ، ودون أي ضغط على الجانب الأيراني ليكف الحوثيون عن ذلك ، إمعانا في إرباك السعوديين .
طائرات التحالف العربي ممنوع أن تقصف الحوثيين الآن في اليمن ، بل عليها أن تهاجم الإرهابيين فقط مثل القاعدة وداعش ، وكأن الحوثيين ملائكة ، فالراعي الأمريكي والغربي لمفاوضات الكويت التي لم تتقدم قيد أنملة ، زاد من تعنت الحوثيين بقيادة إيران ، بل إن بعض المصادر كشفت بأن ما يجري في الكويت من اتصالات مع وفد هؤلاء ، مرتبط تماما بموقف إيران من خلال عبد الملك الحوثي ، من حيث أي تقدم أو مناورة أو انسحاب ، حيث لا موقف حوثيا إلا بعد التشاور مع أسيادهم ، ولا صحة البتة لما يحاول الإعلام الحوثي ترويجه من أن وفده في الكويت وفد مستقل ، أو أن " شوره من راسه " كما يقول المثل .
وإذا أردنا أن نفهم الضغوط الأمريكية أكثر ، فإن علينا مطالعة تصريحات السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي الذي قال لوسائل إعلام غربية بأن عدو المملكة الأول الآن ، هما القاعدة وداعش ، أما الحوثيون فهم " جيراننا وبالإمكان الحديث معهم " مما فسره البعض بأنه تراجع سعودي عن سحب الحزم من العاصفة ، إلا أن الناطق باسم وزارة الدفاع أحمد عسيري سرعان ما بدد مثل هذه الهواجس حينما خرج إلى الإعلام وتوعد الحوثيين بأن اقتحام صنعاء أمر وارد ومن ضمن الخيارات المطروحة .
وإذا أردنا أن نلخص المشهد اليمني فإن الضغط الأمريكي لا يتعدى هذه النقاط إذا ربطنا اليمن بكل ملفات المنطقة الساخنة :
1 - ضغط امريكي وغربي غير مسيوق على السعودية من أجل الإنخراط في محاربة الإرهاب في اليمن ، وقتال داعش والقاعدة وتفعيل طائراتها في هذا الإتجاه ، وهذا حصل فعلا في المكلا وحضرموت وغيرهما ، هذا من جهة .
2 - : مواصلة الضغط على السعوديين من أجل الإستمرار في الحوار بغض النظر عن نتيجة هذه المفاوضات ولا مانع من تجزئة الحل والتحايل على القرارات الأممية من جهة أخرى .
3 - : ضغط أمريكي وغربي على السعوديين في الملف السوري ، ومنع عاصفة حزم سورية ، والتحالف مع الروس لإنهاء الثورة السورية بالقوة .
4- :الإمعان الأمريكي في التودد لإيران من مثل دعوة كيري قبل يومين للبنوك العالمية للتعامل مع إيران بدون أدنى خوف من عقاب أمريكي ، وفي نفس الوقت ترويج الأكاذيب عن السعودية في أكثر من صعيد وهو ما تقوم به الآلة الإعلامية الغربية .
5 - الضغط على السعوديين في الملف العراقي وطلب تزويد العراق بأموال ومساعدات ( الرياض منحت العراق 500 مليون دولار " .
6 - : تلويح بأوراق سعودية في أمريكا نفسها ، من مثل مزاعم علاقة الحكومة السعودية بتفجيرات الحادي عشر من ايلول .
7 - : تسليط المنظمات الحقوقية الدولية على الرياض واتهامها بارتكاب جرائم حرب وسط كل هذه الجرائم اتي يرتكبها الروس والأسد وإيران وميليشياتها في العراق والحوثي .
ولكن الرد السعودي الذي يجيء في العادة هادئا طالما ابتعد الخطر الإستراتيجي " المباشر " عن الداخل ، لا يخلو من تحد ، ومن مثل ذلك : إن أول رد سعودي جاء على لسان عسيري قبل يومين حينما توعد باحتلال صنعاء ، كما أن مواصلة التنسيق مع تركيا خاصة في الملفين العراقي والسوري ، وهو ما كشف عنه تدريب ميليشيات كردية في إقليم كردستان العراق للعمل داخل إيران ،والإعلان عن فصيل سوري " تركماني" يقاتل على الأرض ( أولى أفعاله أسره لضباط وجنود إيرانيين في معركة خان طومان) .. كما لا يغيب تلويح السعودية بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة ، والدعم الكامل لتحل الصين بديلا عن أمريكا المغادرة للمنطقة ، وكذلك القول للأمريكان عمليا : بأن لدى التحالف أوراقا أخرى بالإمكان اللعب بها ، ومن أجل ذلك أعاد مندوب الحكومة اليمنية في مفاوضات الكويت التأكيد على أن الوفد الحكومي الشرعي لن يناقش أي قضية خارج إطار قرارات مجلس الأمن وعلى رأسها تسليم الأسلحة وإخلاء المدن وتنفيذ قرار 2216 بحذافيره ، وقضايا أخرى لا يغيب عنها خطة التطوير والتحديث التي أعلن عنها ولي ولي العهد نجل الملك سلمان ، ونتحدث هنا عن تريليونات بالإمكان تحريكها واستثمارها ، وغير ذلك من قضايا بعضها خرج إلى العلن وبعضها في مكمنه .
أما ما حاول البعض تصويره عن تراجع سعودي في اليمن ، فإن هذا تناقضه الوقائع على الأرض باستثناء توقف القصف الجوي على اعتبار أن السعودية دولة مسؤولة ، بينما لا يعدو الحوثي أن يكون مجرد ميليشيا مسلحة خارجة على القانون ، وهي استراتيجية تفاوضية مهمة كشفت للعالم من الذي ينسحب ، ومن الذي يقصف الحدود والمدنيين ويواصل اعتقال الأبرياء وقتلهم .
وعن حديث الجبير بأن الحوثيين جيران ، فإن تصريحا كهذا لا بد له من أن يخرج للعلن للقول للعالم بأن السعودية لا تعرقل أي حل يمني ينسجم مع تطلعات الشعب اليمني في الأمن والسلام والوحدة ، ناهيك عن أن هناك محاولات جادة لشق صف الحوثي - صالح ، بل والحوثي - الحوثي ، على اعتبار أن هؤلاء لا يمثلون مجمل الطيف الزيدي في البلاد تماما كما لا يمثل حزب الله مجمل الشيعة اللبنانيين .
إن الضغط الأمريكي والغربي على السعودية جاء بعد ان أبدت الرياض حزمها ، وأفشلت ابتلاع إيران لليمن ، وبعد أن بعثت بمحافظ منطقة لاستقبال الرئيس الأمريكي في تعبير غاضب من تصرفات الإدارة الأمريكية وبيعها أصدقاءها مقابل الحليف الإيراني القديم - الجديد ، لاعتقاد الولايات المتحدة أنه بالإمكان إعادة دور " شرطي الخليج " في المنطقة بالتنسيق معهم ، قبل أن يفاجأ صانع السياسة الخارجية في واشنطن وباني استراتيجية بحر الصين وترك المنطقة عقب تخريبها ، بأن الرياض قدرت على الفعل ، وها هي توصلت إلى اتفاقات استراتيجية مع المصرين وتفاهمات مهمة جدا مع الأردن ومع مجمل دول المنطقة للتصدي للمشروع الأيراني الصفوي المدعوم أمريكيا ، وعليه ، فإنه لا بأس من أن يقول الجبير ما يقول عن الحوثيين وغيرهم ، وأن يتوقف القصف على الحوثيين والمفاوضات منعقدة ، وعلينا أن نتذكر دائما أن من حق السعوديين ودول الخليج ممارسة السياسة بكل ذكائها وأقنيتها ، وإن اعتبار تصريحات الجبير وموقف التحالف رخوا في مفاوضات اليمن وتصويره على أنه تراجع ليس سوى " تهجيص " تحاول تروجيه وسائل إعلام المقاومة والممانعة ومن هم على شاكلة ناشريها ممن يسوؤهم أن يكون العرب أسيادا وأصحاب قرار ، ولكن فات هؤلاء أننا لسنا وحدنا في العالم ، وإن السياسة كياسة " ولكل مقام مقال .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews