العرض لا يزال يقوِّض الطلب القوي

بعد الربع الأول، لا يزال نمو الطلب العالمي على النفط قويا، وربما قد يرتفع قليلا إذا ما استمرت الولايات المتحدة والصين في النمو بالمعدلات الحالية نفسها. المشكلة هي عند معدلات نمو أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم في المتوسط لهذه السنة، أو ربما حتى فوق 1.3 مليون برميل في السنة حسب بعض المصادر، نمو الطلب العالمي لا يزال أقل من النمو المتوقع في إمدادات النفط العالمية عند 1.7 مليون برميل في اليوم ــــ على الرغم من الحرائق التي ضربت مقاطعة البيرتا في كندا الأسبوع الماضي وأدت إلى انقطاعات كبيرة في الإنتاج والتوقفات المتكررة في الإنتاج الليبي. تخلف الطلب عن العرض قد لا يساعد على إعادة التوازن إلى أسواق النفط بالسرعة المرجوة. بعد كل ذلك، النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط في هذا العام لا يقارن بـ 2.7 مليون برميل في اليوم الذي شهده العالم في عام 2010، بعد الأزمة المالية العالمية، وأيضا لا يقترب من الارتفاع بنحو 3.1 مليون برميل في اليوم في عام 2004 عندما كان الاقتصاد العالمي مزدهرا.

وثمة مسألة أخرى وهي أن البيانات من اثنين من كبار المساهمين في نمو الطلب العالمي ـــ الصين والهند ـــ غير مشجعة. حيث إن أرقام الطلب على المنتجات النفطية في الصين كانت بصورة خاصة غير شفافة حتى الآن هذا العام، وعلى الرغم من قوة نمو الطلب الهندي، ولكن كان في بعض الأحيان غير منتظم. وفي الولايات المتحدة، أرقام نمو الطلب الأسبوعية القوية اتضح أنها تعكس بصورة رئيسة ارتفاع الصادرات، والتي يتم بعد ذلك تخفيضها في الإحصاءات الشهرية.

في الحقيقة، ما يؤثر فعلا في إعادة توازن الأسواق هو الانكماش التدريجي في استهلاك النفط عن المستويات التي شهدها في عام 2015، عندما قفز نمو الطلب العالمي بأكثر من 1.8 مليون برميل في اليوم ـــ السبب الرئيس لهذا الانكماش هو تراجع حماس المستهلك في الدول المتقدمة وتباطؤ نمو الطلب في الاقتصادات غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ولكن، نمو الطلب قد يتعرض إلى مزيد من التحدي، حيث إن أسعار المنتجات تطابق المكاسب في النفط الخام، ذلك أن ارتفاع معدلات الطلب على البنزين في موسم الصيف ترفع الأسعار بالنسبة للمستهلكين. أسعار النفط الأعلى تلك قد أدت إلى انهيار هوامش أرباح المصافي مقارنة بالعام الماضي ــــ على الرغم من أن هذه الهوامش لا تزال تعتبر قوية نسبيا من الناحية التاريخية.

لكن بعض تراجع هوامش أرباح المصافي ربما أيضا نتيجة انخفاض الطلب هذا العام مقارنة بـ عام 2015، وخاصة على وقود الديزل، حيث وصل مخزونها العالمي إلى مستويات عالية وخاصة في أوروبا. على العكس من ذلك، هوامش أرباح المنتجات الخفيفة، مثل غاز البترول المسال، البنزين، ووقود الطائرات ظلت قوية نسبيا، ذلك أن نمو الطلب على هذه المنتجات لا يزال يشهد في هذا العام بعض الاتجاه التصاعدي.

حتى الآن، الولايات المتحدة تقود نمو الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث من المتوقع أن يزداد استهلاكها للبنزين، ولكن ليس بالدرجة التي ارتفع بها في العام الماضي. استنادا إلى أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، الطلب على البنزين في الولايات المتحدة سينمو بمعدل 130 ألف برميل في اليوم في هذا العام مقارنة بمعدل نمو 240 ألف برميل في اليوم في عام 2015. هذا وقد استمرت الولايات المتحدة بإضافة أكثر من 200 ألف وظيفة في الربع الأول، هذا من شأنه دعم الطلب على النفط بصورة عامة. لكن ارتفاع معدل قيادة السيارات، كان مدعوما أيضا بتحسين كفاءة استهلاك الوقود في المركبات، ما يعوض قليلا من استهلاك البنزين. من المتوقع، أن يتطابق نمو الطلب على وقود الطائرات في هذا العام مع معدلات نمو عام 2015 عند 4.6 في المائة، على الرغم من أن النمو في الربع الأول من 2016 كان أبطأ من الفترة نفسها من العام الماضي. كما أن تحسين كفاءة استهلاك الوقود في الطائرات يجب أن يحد من الاستهلاك الإضافي.

وشهدت الصين اتجاهات نمو مماثلة، حيث إن غاز البترول المسال، البنزين، ووقود الطائرات تقود نمو الطلب فيها. لقد تراجعت واردات غاز البترول المسال قبل بداية السنة القمرية الجديدة، لكن معدلات الواردات في آذار (مارس) وصلت إلى أعلى مستوى على الإطلاق إلى 600 ألف برميل في اليوم. إمدادات غاز البترول المسال المحلية في تزايد أيضا، لكن الأرقام هنا أقل شفافية، يعزى السبب في ارتفاعها إلى بدء تشغيل محطات التكسير المحفزة ووحدات البروبلين الجديدة، ومن المصافي أيضا التي تسعى إلى إنتاج المزيد من المنتجات الخفيفة ـــ جزئيا لتلبية الطلب المتزايد على البنزين ــــ والقليل من الديزل. في شباط (فبراير) الماضي، ذكرت النشرة الصينية للنفط والغاز والبتروكيماويات أن مخزون الديزل في الصين قد ارتفع بنسبة 38 في المائة، حيث إن العرض تفوَّق على الطلب، ما يؤكد وفرة العرض في جميع أنحاء حوض آسيا ـــ المحيط الهادئ.

في حين أن بقية الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقدم بعض المخاطر السلبية على النمو في الاقتصادات الناشئة. أمريكا اللاتينية في تراجع، بصورة رئيسة مع اتجاه البرازيل إلى الركود، حيث تحيط بها الاضطرابات من فضيحة الفساد في شركة بتروبراس. وفي منطقة الشرق الأوسط، التي كانت حتى وقت قريب تمثل مساعدا قويا لآسيا في نمو الطلب على النفط، بدأ النمو فيها بالتسطح Flatling، حتى دول الخليج العربي التي تمتلك احتياطيات نقدية كبيرة بدأت تشعر بضائقة انخفاض أسعار السلع الأساسية وضعف الإعانات. الاتجاه الصعودي للمنطقة هو أن الطلب على وقود الطائرات ينبغي أن يستمر في النمو، حيث إن أماكن مثل الإمارات أصبحت مراكز سفر دولية.

(المصدر: الاقتصادية 2016-05-11)