الاقتصاد المصرى من الثورة إلى النهضة
عاش المجتمع المصرى خلال السنوات الخمس الماضية حالة من المد الثورى فى أعقاب ثورتى الخامس والعشرين من يناير
والثلاثين من يونيو والهادفة الى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهى الأهداف التى نصبو اليها جميعا. والآن وبعد الانتهاء من تشكيل مؤسسات الدولة وآخرها البرلمان ولجانه ودخوله الى المعترك العملى أصبح من الضرورى الالتفات الى المستقبل والعمل على الانتقال الى المرحلة الأساسية وهى إنهاض المجتمع من عثرته، والقضاء على المشكلات الأساسية النى يعانى منها، وعلى رأسها البطالة والفقر وتدهور الإنتاجية. بالإضافة الى الازمة المالية الحادة، والتى ارتفعت خلال الفترة الماضية حيث ارتفع العجز الكلى فى الموازنة العامة للدولة ليصل الى 11.5% من الناتج المحلى، واقترن ذلك بارتفاع نسبتى التمويل الخارجى والمصرفى للعجز الكلى، الأمر الذى ساهم فى ارتفاع معدل التضخم.
وكلها امور تجعل المهام المُلقاة على عاتق الدولة كثيرة ومتنوّعة فى ظل اقليم يموج بالتغييرات العاصفة واقتصاد عالمى يتسم بعدم الاستقرار. ورغم ذلك إلا أننا نؤمن بان المجتمع المصرى قادر على تجاوز هذه التحديّات وتحويلها الى فرص للنهضة الشاملة، خاصة وأنه يملك العديد من الإمكانيات والمزايا التى تساعده على تحقيق ذلك. وهى بالأساس عملية تغيير اقتصادى واجتماعى شاملة، تهدف الى تحقيق زيادة مضطردة ومستمرة فى إشباع الاحتياجات الأساسية المادية والمعنوية للأفراد،وبالتالى فجوهر النهضة هو إحداث تحول جذرى يؤدى الى القضاء على التخلف ويزود المجتمع بآليات التقدم.وهى الوسيلة المثلى لإحداث النقلة الموضوعية المطلوبة، وبالتالى رفع مستوى الرفاه الاقتصادى والاجتماعى لكافة الأفراد.
ومع الأسف، لا تقدم التجارب الاقتصادية، ولن تقدم ابداً، إجابات قاطعة وحاسمة، على غرار ما تقدمه العلوم الطبيعية،فيما يتعلق بآليات إحداث تلك النهضة، وذلك لان الاقتصاد يخضع لتأثير عدة قوى فى آن واحد، ويحاول المحللون، عدم إغفال بحث تأثير اى قوى عند قياس آثار سياسات معينة، بيد ان قصور البيانات والأساليب الاحصائية، يحول دون ضمان النجاح الكامل لهذه المحاولات. بل والاهم من ذلك هو الاختلاف والتباين الشديدين، فى تفسير شواهد معينة، وتزداد خطورة هذه المسألة، فى ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة. ولذلك يلجأ هؤلاء غالبا الى الحكم بالأساس على مدى النمو الاقتصادى المتحقق مع مدى التحسن فى مستويات المعيشة، باعتباره اهم المعايير الواجبة للحكم على مدى نجاح سياسة معينة من عدمه. ويشير الفكر الاقتصادى إلى ان نجاح سياسة اقتصادية معينة، يتوقف على تحقيق مجموعة من الشروط، مع ضمان استمراريتها وهى تتعلق بالأساس بتحقيق معدل نمو للناتج المحلى الإجمالي، يفوق معدل النمو السكاني، حتى يمكن تحقيق تحسن فى مستويات المعيشة، وإيجاد فرص توظف لكافة الداخليين الى سوق العمل، والوفاء بمتطلبات الاستقرار فى الأسعار، مع توزيع ثمار النمو على كافة فئات المجتمع، والحد من التفاوت فى توزيع الدخل.
من هذا المنطلق يجب طرح رؤية تنموية جديدة تهدف الى الإسراع بتحقيق تلك الأهداف وذلك عن طريق الاستمرار فى تبنّى منظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات تضمن علاج الاختلالات الأساسية فى بنية الاقتصاد القومي، وتحقيق مستوى معيشة مرتفع للسواد الاعظم من المجتمع والسير به فى طريق التقدم والازدهار. إذ إن الأمور أضحت من الأهمية بمكان بحيث يجب أن تعالج فى إطار منظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات تضمن علاج الاختلالات الأساسية فى بنية الاقتصاد القومي، وتهدف إلى الارتفاع بمعدلات النمو، وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة بما يضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بحقوق الأجيال القادمة بالاستناد على الأبعاد الأساسية لمفهوم التنمية الاحتوائية المستدامة.
واولى المهام هى العمل على تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية وضمان استخدامها أفضل استخدام مُمكن من خلال التوسّع المُنظم والفعّال فى بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات لتحفيز الاستثمار (الخاص والعام) والنشاط الاقتصادى عموماً، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعى معقول ونمو زراعى يُساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية، والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة بُغية امتصاص البطالة ورفع مستوى المعيشة. والعمل على إحداث التغييرات الهيكلية التى تساعد على زيادة القدرة على إيجاد فرص عمل جديدة، وتوليد الدخول لكافة فئات المجتمع. وتدعيم القواعد الإنتاجية القائمة وإزالة المعوّقات التى تحول دون تفعيلها، الامر الذى يتطلب تحسين مناخ الاستثمار وحسن إدارة الأصول المملوكة للدولة. جنبا الى جنب مع تحسين مستويات المعيشة والعمل على ضبط الأسواق ومكافحة التضخم. وثانى المهام تكمن فى إعادة التوازن الكلى للاقتصاد من خلال علاج الاختلالات المالية والنقدية والمتمثلة فى عجز الموازنة والتضخم وعجز ميزان المدفوعات واصلاح نظام سعر الصرف.
كما يجب ان نتبنى سياسة مالية تقوم على فلسفة مغايرة تماما للفلسفات السابقة، والتركيز على إعادة توزيع الدخول لصالح محدودى الدخل من خلال الآليات السيادية مثل الضرائب والجمارك، بحيث تعتمد على أدوات مالية مستقرة، وتعتمد فى حصيلتها على توسيع الوعاء الضريبى بدلا من رفع معدل الضريبة. وتبنى على أساس المشاركة بين المجتمع والحكومة تبنى على أساس الثقة المتبادلة، والتى تعتمد بالأساس على المصارحة والشفافية بحيث يبنى القرار الاستثمارى على بنية من الحقائق والمعلومات الدقيقة فى التوقيت المناسب.والاعتماد على الفهم الديناميكى للحكم على المتغيرات الاقتصادية، فتكون القدرة على محاربة الفقر ليس فقط بما يتم إنفاقه الآن على هذه المسألة، ولكن وهو الأهم بالقدرة على استمرار هذا الإنفاق، وبالتالى خفض أعداد الفقراء على المدى البعيد.
وعلى الجانب الآخر يجب العمل على تفعيل السياسة النقدية فى الاقتصاد عموما وإدارة سعر الصرف على وجه الخصوص، نظرا لقدرتها على مواجهة الخلل بين معدلات الادخار المحلية، والاستثمار القومي. وبناء على ذلك فإن العلاقة بين النمو الاقتصادى والتوسع النقدي، أو التوسع فى الائتمان المحلى، لها أهمية حاسمة فى سياسات سعر الصرف المتبعة.وهنا تجدر الإشارة إلى إن خبرة مصر فى التسعينيات تؤكد ان الاتساق والتزامن بين السياسات النقدية والسياسات المالية، العامة وسياسات سعر الصرف هو سر نجاح التجربة المصرية فى الإصلاح الاقتصادى التى استهدفت أساسا تحقيق الاستقرار الاقتصادي. خاصة ان البلدان الأخرى التى اتجهت إلى تحرير سعر صرف عملتها دون الاهتمام باتباع سياسات نقدية ومالية مناسبة قد عانت من تدهور سعر عملتها كنتيجة لاستمرار السياسات النقدية والمالية التوسعية. كما أن سعر الصرف المناسب قد انعكس إيجابيا على أوضاع الموازنة العامة بما ساعد بدوره على تحقيق هدف الاستقرار النقدي. ودعم المنافسة بين البنوك بهدف زيادة الكفاءة. وكذلك الاهتمام بالتنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية.
(المصدر: الأهرام 2016-05-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews