التصعيد في سوريا
استخدم نظام الرئيس السوري بشار الاسد مؤخرا سلاحا كيميائيا حسب المواصفات الرسمية (والذي يوجد قيد الاستخدام العسكري) في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش شرقي العاصمة دمشق. وهذا استخدام شاذ للسلاح، منذ تطبيق الاتفاق بشأن نزع مخزونات السلاح الكيميائي ذي المواصفات الرسمية التي لدى النظام في صيف 2013.
وكانت المعارك وقعت في منطقة الغوطة شرقي دمشق قبل اكثر من اسبوع. ويبدو أن نظام الاسد قرر استخدام السلاح الكيميائي ـ بقدر ما هو معروف الغاز الفتاك سارين ـ بعد أن هاجم مقاتلو الدولة الإسلامية قاعدتين لسلاح الجو السوري شرقي دمشق، واللتين يرى النظام فيهما ذخرا عسكريا حيويا. وكان الاسد استخدم في 2013 في عدة مناسبات سلاحا كيميائيا ضد منظمات الثوار. وبعد أن قتل في احدى الحالات اكثر من الف مواطن كنتيجة لاستخدام السلاح الكيميائي، اعلنت الادارة الأمريكية بان الرئيس السوري اجتاز خطا أحمر وهددت بهجوم عقابي ردا على ذلك. وفي النهاية تراجعت الولايات المتحدة عن نيتها الهجوم، بعد أن تحقق اتفاق مع روسيا حول نزع مخزون السلاح الكيميائي لدى النظام.
حتى بداية 2014 انتهى اخراج المخزونات من سوريا، وأجهزة الاستخبارات في الغرب قدرت في حينه بان النظام لا يحتفظ إلا بكمية صغيرة من السلاح الكيميائي، سيستخدمها في حالة التهديد المباشر على استمرار حكمه. ومنذئذ، وفي عدة مناسبات، استخدم النظام سلاحا كيميائيا يعتبر أقل فتكا، مثل قنابل الكلور.
تنظيم الدولة الإسلامية هو الاخر استخدم سلاحا كيميائيا من جهته في المعارك. ومع ذلك، فان عودة النظام إلى استخدام السلاح الكيميائي ذي المواصفات هو أمر شاذ، وكفيل بان يشهد سواء على أهمية المعركة التي دارت في نظر النظام أم على مدى الثقة التي حققها الاسد في ضوء المساعدة العسكرية الكثيفة التي تمنحها له روسيا منذ ايلول الماضي.
لقد واصل نظام الاسد، باسناد روسي، مؤخرا المذابح حتى بوسائل اكثر تقليدية. ففي القصف الكثيف على مدينة حلب، في شمال سوريا، قتل في الاسبوع الماضي مئات الاشخاص، بينهم أكثر من خمسين قتلوا في المستشفى الذي أدارته في المدينة منظمة «اطباء بلا حدود». وأفاد شهود عيان عن هجوم مقصود للمستشفى في عدة جولات للقصف. ونفت دمشق وموسكو الضلوع في قصف المستشفى، رغم ان مسؤولية النظام على الاقل عن القصف واضحة وجلية. وشارك سلاح الجو الروسي مؤخرا بيقين في غارات جوية اخرى في حلب، تمت هي اخرى بلا أي جهد للتمييز بين الاهداف العسكري والاهداف المدنية.
في إسرائيل يأخذون الانطباع بان النظام يركز جهوده على تعطيل بقايا الخدمات المدنية في المدينة، كي يهرب منها ما تبقى من سكان لا يزالون فيها. ويسيطر الجيش السوري والميليشيات المرتبطة به اليوم على غرب حلب، بينما تحالف متفرع وهزيل لمنظمات الثوار يسيطر في شرقي المدينة. ويبدو ان الجهود تستهدف تهريب اغلبية المدنيين المتبقين في المدينة (هناك تقديرات متضاربة حول عددهم، الكفيل بان يصل إلى اكثر من 200 ألف) من أجل السماح بالسيطرة التدريجية على الاحياء التي في ايدي الثوار.
اذا ما حقق الاسد نجاحا عسكريا في حلب، فهذا سيعزز سيطرة النظام في شمال الدولة، إلى جانب استقرار المناطق التي تحت سيطرته في شمال ـ غرب الدولة، في تجمعات الطائفة العلوية حول مدينتي اللاذقية وطرطوس.
بعد أكثر من شهرين بقليل من اعلان وقف النار، يضع استئناف القتال الشديد في حلب في علامة استفهام كبيرة استمرار الهدوء النسبي في المعارك في سوريا، والذي لم يكن كاملا في أي مرحلة من المراحل. وتبذل الولايات المتحدة الان جهدا للعودة إلى تهدئة الخواطر واقناع روسيا ونظام الاسد بوقف القصف على حلب. وعلى خلفية القتال في حلب، يهدد العديد من منظمات الثوار بالتوقف عن التمسك بوقف النار.
ليست سوريا هي الجبهة الوحيدة في الشرق الاوسط والتي تصطدم فيها واشنطن بمصاعب كبيرة في الايام الاخيرة. فالازمة الخطيرة في بغداد، حيث علقت الحكومة في مواجهة داخلية مع قوى اخرى في الطائفة الشيعية، تهدد الحملة التي يسعى الأمريكيون إلى تصدرها لاعادة احتلال مدينة الموصل من أيدي الدولة الإسلامية. ومع أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة يحقق مؤخرا انجازات حقيقية في القتال ضد التنظيم المتطرف (من خلال اغتيال مسؤوليه، ضرب مخزوناته مع النفط ومنظوماته المالية)، يبدو انها ستجد صعوبة في أن تربط الجيش العراقي في خطوة ناجعة في الموصل في الفترة القريبة القادمة، ولا سيما في ضوء الصراعات الداخلية في بغداد.
هآرتس 2/5/2016
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews