لا خيار الا اجباره على التنحي: المالكي يعيد انتاج نفسه دون تواضع واعتذار
اطل علينا المالكي ، ليعيد انتاج نفسه كما لو ان كارثة لم تحدث، وان خطوباً مكربة ليست بانتظار شعبنا المُبتَلى به، وبفريقه الفاشل. وقد تَوهَمت مثل آخرين، انه قد يلتزم السكوت ويتجنب التصريح، ويعتزل في خلوة استخارية، ليُقّلب الامور ويتبصر بالعواقب، ثم يتمهل بعدها ولو لساعات ليفكر ببعض التدابير والاقتراحات لمعالجة النتائج الوخيمة، ويتداول بشأنها مع اطراف التحالف الوطني على الاقل، حول هول العملية الارهابية التي صُعقنا بمشاهدها في سجني ابو غريب والتاجي، واصبح بفعلها اعتى مجرمي القاعدة مطلقي السراح ، يتهيأون لتنفيذ مذابح جديدة قد يذهب ضحيتها الاف من ابناء شعبنا الامنين .
لكن من تابع اطلالة المالكي التلفزيونية، اصيب بخيبة مضاعفة عما كان يصاب بها في مرات سابقة، وهو يشاهده يلقي خطاباً، او يُدلي بتصريحٍ، واستشعر بغضب من مدى لا مبالاته وبرودته، وهو يتناول الحدث وكأن ما يتحدث عنه مجرد مشهد عرضي في مسلسل تلفزيوني فاشل. ولم نتلمس في ملامحه، سوى غيظ دفين من شركاء له في التحالف الوطني.
لقد نسي ما ينبغي ان يتناوله، او يبحث عن مخرج له. وتظاهر، كما لو انه قادم لتوه من ساحة حرب، ألْحَقَ فيها الهزيمة بميليشيات، تختفي "وراء شعارات دينية زائفة"، كانت تتحين الفرص لتصفية "مظاهر دولته المدنية" و"مؤسسات دولة القانون" التي حرص على ارسائها! وخانته ذاكرته ، انه هو ، وليس السيد مقتدى الصدر او السيد عمار الحكيم ، من اعلن في النجف ، انه استطاع الانتصار على "العلمانيين والملحدين" وسينتصر باذن الله ، على "دعاة الحداثة"، وتناسى ايضاً صولات "رئيس جمهورية بغداد السابق الحاج كامل الزيدي، والمحافظ صلاح عبد الرزاق" واللذين سعيا برعاية وتواطؤ منه، لتحويل بغداد الحضارة والمدنية الى قندهار، وقادا صولاتهما المنكرة ضد الحريات، وتفننا في تجريد بغداد من روحها وتاريخها ومظاهرها الحضارية.
وخلافاً لكل ما توقعناه في لحظة أمل، فقد استدرجنا المالكي الى صولته التاريخية في البصرة، وافاض في اظهار بطولته في تلك الصولة ، والمغامرة التي كادت ان تودي بحياته ، لولا "تماسكه وجسارته"، غاضاً الطرف عن النجدة الاميركية العاجلة التي انقذته من وضعه الصعب المحاصر!
لم يجد السيد المالكي في مواجهة اللحظة التي وضعنا فيها، بسبب نهجه وسياسته وانفراده، وضعف ادارته وفشله في قيادة الدولة، الا ان يُرحل اسباب خيباتنا في اهدار المليارات على الكهرباء والصحة والخدمات، وانهيار مفاصل الدولة وفشلها، ويلقي كل اسباب الفشل على شركاء العملية السياسية من اتباع التيار الصدري وكتلة المواطن، والعراقية طبعا.
ورأى انها فرصة مناسبة لكي يستفيض في شرح توجهاته وسياساته، والعراقيل التي يضعها الاخرون لاجهاضها. لم يجد حرجاً في ان يتحدث عن مستشفى ابن سينا والعقود مع كوريا، وزيارته الى كربلاء التي "اسقط فيها مؤامرة احتلال الصحن الشريف"، وعن "تآمر" جلال الدين الصغير على خطته التنموية التي كان من شأنها انتشالنا من كل المحن التي تحيط بنا. ولم يوفر شاردة او واردة، مهما ضَؤلَ شانها، دون ان يتناولها ويضعها في "سياقها المناسب" في اطار التآمر عليه واسقاط دوره. ولم تفته الاشارة الى انه غير قادر على عزل وزير..!
وانتهى اخيراً للمرور على "حادث الهروب الجماعي لمجرمي القاعدة"، فكيف رأى الامر، وماذا خطط لمواجهته..؟ بيد انه لم يجد وسيلة لتقييم الموقف، كعادته في مثل هذه المناسبات الجنائزية، سوى ان يتوعد بلهجة صارمة بفضح "المتواطئين والمتسترين"، مدعياً بلا ادنى شعورٍ بالمسؤولية، انه يعرف من يقف وراء تسهيل عملية الهروب، كما يعرف اين هي مكامن الخلل في الاجهزة الامنية، وعبر عن قدرته على كشف المستور من المخطط الذي لم تكتمل فصوله بعد، واحباطه!
كان متوقعاً، في ادنى احتمالٍ لشبه رجل دولة، او مسؤول في شركة امنية، او مأمور مركز، ان يتعامل مع ما حصل برد فعل ، يعكس قدراً من تفهم المخاطر المترتبة على الحدث، ويتظاهر، مجرد تظاهر، بالحرج والاعتراف بخطأ شخصي ما، واستعداد ضمني خجول، لتحمل جانب من المسؤولية، اي جانب مهما كان ضئيلاً او عرضياً، خصوصاً وهوالمسؤول الاول عن قيادة الدولة، دون شريكٍ، ما دام يجمع في شخصه ما لا يتوفر الا لدكتاتور او طاغية.
ومع اننا لا نأخذه بشبهة أي من هاتين العورتين، لكن احداً غير الدكتاتور والطاغية، لا يتوفرله او يقبل ان يكون في الوقت ذاته، رئيسا لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، ووزيراً للداخلية بالوكالة، ومشرفاً او وزيراً للدفاع، ومسؤولاً عن الاجهزة الامنية والاستخبارية، وعشرات اخرى من المهام السيادية في مختلف الاختصاصات التي لايتناسب جلها، ان لم يكن كلها، مع تأهيله او تحصيله الدراسي، او تجربته العسكرية او الامنية النظامية، او قدرته الادارية في هذه المجالات الخطيرة. وذلك كما تاكد عيانياً خلال سير الاوضاع منذ تسلمه مقدرات البلاد والسلطة السياسية فيها.
لقد قيل على لسان قادة كبار من العسكريين في الجيش والمخابرات، في اعقاب انهيار النظام الدكتاتوري السابق، وباليسر الذي تحقق به، ان الهزيمة كانت متوقعة بفضل تصدي قصي لقيادة العمليات العسكرية، ولن تختلف النتيجة لو انها كانت تحت "إمرة الجنرال صدام حسين". وبعيداً عن التشبيه والتشبه، هل يمكن لنا ان نتوقع مصيراً امنياً وعسكريا افضل مما حصدته البلاد، تحت القيادة المباشرة للسيد المالكي، ولربما بوكالة منه لاحد المحيطين به، في مكتبه العامر بافراد عائلته الكريمة؟
كتبت امس انني اعيش املاً مضنياً، لعل المالكي يفاجئنا بصحوة ، يستعيد بها وعياً نادراً، يدفعه للتنحي والدعوة لتشكيل حكومة انقاذ وطني، يتعذر بدونها تجنب المزيد من الخسائر، واحتمال الانحدار الى شفا أزمة تستعصي ، ومصيرٍ ينذر بما لا تحمد عواقبه.
لكن هذا الامل ، بعد اطلالة رئيس مجلس الوزراء، ليس سوى اضغاث احلام، ومضيعة للوقت ، وتخدير للهمم وصرف للانظار عما ينبغي ان يتم.
ليس امام التحالف الوطني وقياداته، بما في ذلك رموز كتلة دولة القانون وقادة حزب الدعوة، الا اتخاذ موقف تاريخي، بالتشاور العاجل مع الكتل السياسية المقررة الاخرى، ومع قوىً وطنية خارج العملية السياسية، للاتفاق على بديل مؤقت - انتقالي، للمالكي ، والتمهيد لذلك بدعوة البرلمان لتكييف قرار يُقيد صلاحيته، لحين انتقال السلطة منه.
ان حكومة انقاذ وطني، اشد الحاحاً وضرورة من اي وقت مضى. ومن يتهاون في التحرك لتصحيح الوضع الناشئ تواً، سيتحمل مسؤولية ما ينتظرنا من صروف واعباء ومقادير.
لم تعد اللامبالاة موقفاً، او اجتهاداً مبررا. ولا سبيل الا بتدارك العواقب الوخيمة التي لا تتطلب اكثر من ازاحة رجل، اثبت الفشل والعجز، وتمادى في الاستقواء بضعف ارادة الاخرين!
ايها القادة، ايهما اولى عندكم.. مصير الشعب وهذا الوطن، ام مجرد تبديل رجل يتشبث بكرسي السلطة حتى اذا اقتضى ذلك، الاجهاز على مستقبل العراق، وما تبقى لابناء الشعب من امل ورجاء..!؟
( المصدر : جريدة المدى العراقية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews