الشركات لا تستطيع التحرر من جنسيتها .. ولا حدودها الوطنية
كتب كينيشي أوماي، مختص استراتيجية الإدارة الياباني، في مقالة في مجلة "هارفارد بزينس ريفيو" في عام 1989 "لقد أصبحنا مواطنين عالميين، وهذا ما يتعين أن تفعله الشركات التي تُريد بيعنا الأشياء".
قال أوماي "إن تدفق المعلومات، بينما الحدود الوطنية لا تزال مُحدّدة بشكل واضح، يعني أن الشركات لم تُعد ملزمة بها".
في ذلك الوقت، كانت شبكة سي إن إن في ذروتها والسياحة العالمية تنطلق. إلى أي مدى هذا صحيح في عصر الإنترنت؟
ليس صحيحاً جداً. ففي حين إن الشركات أصبحت عالمية، إلا أن الحكومات تُذكّرها أنها لا تزال بمثابة "مواطنة" في البلدان التي بدأت فيها وتمارس معظم أعمالها فيها.
هناك مثال صارخ قدّم نفسه الأسبوع الماضي عندما تمكّن باراك أوباما من إيقاف "فايزر"، شركة الأدوية الأمريكية، من نقل مقرّها إلى إيرلندا. وكانت فايزر قد خططت لعملية دمج مع "أليرجان"، القائمة هناك، حتى تتمكن من تخفيض معدل الضرائب عليها. وبالإعلان عن قواعد جديدة، أفسدت وزارة الخزانة الأمريكية تلك الصفقة.
قال الرئيس أوباما عن الشركات التي تحاول تغيير عنوانها "إنها تُبقي معظم أعمالها هنا في الولايات المتحدة لأنها تستفيد من البنية التحتية والتكنولوجيا في أمريكا (...) لكنها فعلياً تنبذ جنسيتها".
أشارت مقالة أوماي، إلى فكرة أن الشركات ذات العمليات العالمية لديها جنسية وطنية بدا أن الزمن عفا عليها قبل ثلاثة عقود. لكن الحكومات، ومعظم الناس، كما يغلب على ظني، لا يزالون ينظرون إلى الشركات على أنها مُتجذّرة في البلدان التي بدأت فيها.
في عام 2004، زميلي جون كاي كتب أن جميع الشركات تقريباً كانت تملك جنسية يُمكن تحديدها. "كوكا كولا" كانت أمريكية و"نستله" سويسرية. وموقع مقرّها الرئيسي، أو جنسيات كبار المسؤولين التنفيذيين فيها لم يُغيّر ذلك. "هناك أمثلة قليلة عن الشركات التي تتخلّى عن الجنسية حقاً".
أستطيع التفكير بشركتين حاولتا ذلك: إيرباص والمجموعة الهندسية ABB. تحدّثتُ أخيرا مع أشخاص احتلوا مناصب بارزة في كل منهما في أوقات حرجة. هل كانت حقاً شركات تتجاوز نطاق القومية؟
روبرت أليزار، المولود في موريشيوس، ويحمل جواز سفر بريطانيا ويتحدّث اللغتين الفرنسية والإنجليزية، كان رئيس الاتصالات في "إيرباص" من عام 1986 حتى عام 1999، في الوقت الذي تحدّت فيه "بوينج"، وأحياناً تجاوزتها، باعتبارها شركة تصنيع الطائرات الرائدة في العالم.
في ذلك الحين، كانت "إيرباص" كونفدرالية من شركات فرنسية وألمانية وبريطانية، مع شركة إسبانية تلعب دوراً صغيراً. لغة الشركة كانت الإنجليزية، وقدّمت نفسها على أنها شركة أوروبية.
لكن الجنسية لا تزال مهمة. يقول أليزار، "إن الأمر كان إلى حد ما مثل الاتحاد الأوروبي اليوم". كان المديرون الألمان يقولون "سنُخبركم كيف تؤدون ذلك على نحو أفضل". لقد أصرّوا على المُناقشة المُفصّلة لكل قرار.
يضيف أليزار أن "الفرنسيين لديهم وجهة نظر طويلة الأجل (...) لكن كيف نصل إلى هناك لم يكُن مُحدّداً بشكل واضح. وكانوا بارعين جداً في إنجاز الأمور بأسهل طريقة لتحقيق هدف معيّن". أما البريطانيون فكانوا يُركّزون على العوائد المالية الفورية.
تلك الاختلافات الوطنية كانت من أجل اتخاذ قرارات أفضل. والحاجة إلى إقناع جميع الأطراف ضمنت مناقشة عميقة.
في عام 2006، عندما باعت شركة BAE البريطانية حصتها، توقّع أليزار "معركة فرنسية ألمانيا حول من سيتولّى إدارة ذلك الوحش". انتهى الأمر بتولي توم إندرز، الرئيس التنفيذي الألماني الحالي، المسؤولية. "إيرباص" اليوم ثنائية القومية ولا تتجاوز نطاق القومية.
في المقابل "ABB كانت، ولا تزال، الشركة الأكثر عالمية التي أعلم بوجودها على الإطلاق"، حسبما يقول جاري ستيل، رئيس الموارد البشرية من عام 2003 حتى عام 2013 في المجموعة التي تم تشكيلها من عملية دمج سويسرية ـ سويدية في عام 1987.
ومع أن ABB، التي لغة العمل فيها هي الإنجليزية، ربما ذهبت أبعد من أي شركة أخرى في تجاوز الحدود، إلا أنها لا تزال لديها مشكلات تتعلق بالجنسية.
يقول ستيل "كان هناك شعور، في تلك الأعوام، بأن السويديين استولوا على الشركة". لكن بحلول الوقت الذي وصل فيه، كان يورجين دورمان، رئيس مجلس الإدارة، ألمانياً وبيتر فوسر، المدير المالي، سويسرياً، وتم تعيين ستيل، الاسكتلندي، في منصب رئيس مجلس إدارة ABB السويدية حتى لا تتم زعزعة التوازن السويسري السويدي.
يقول "تم اعتباري شخصا ذا جنسية مُحايدة". اليوم، يقول ستيل "إنه يتحدّى أي شخص يمشي في أنحاء المقرّ الرئيسي لشركة ABB في زيوريخ، الذي يعمل فيه أشخاص من عشرات الجنسيات"، ويتساءل في أي بلد هم. بالطريقة نفسها، عادة ما تصف "فاينانشيال تايمز" شركة ABB اليوم بأنها "مجموعة الهندسة السويسرية". الدولة القومية أثبتّت، بصورة غير عادية، أنها دائمة - وعلى الرغم من جميع طموحاتها العالمية، إلا أن الشركات لم تتحرّر من ذلك.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-04-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews