«التجارة» والذهب .. بعد محال التموين

قرار رائع ذلك الذي أصدرته وزارة التجارة، بوضع سعر الوحدة أمام سعر البيع في بطاقة واضحة ذات خلفية بيضاء، وقد وضحت الوزارة الفرق بين سعر الوحدة وسعر البيع بنموذج علبة الزيت، فإذا كان هناك سعر لبيع ثلاث علب من الزيت الأولى صغيرة بعشرة ريالات والثانية بـ 18 ريالا والكبيرة الثالثة بـ 32 ريالا، فإن الجميع يدرك ببساطة أن الفرق في السعر سببه الحجم، لكن هناك فرقا دقيقا جدا لم يعلن عنه ـــ وهو سبب الغرر في الموضوع والجهالة في البيع ـــ بين العلب الثلاث، وهو سعر اللتر الواحد في كل علبة، في النموذج الذي شرحته الوزارة فإن العلبة الثانية هي الأوفر لأن سعر اللتر فيها يبلغ عشرة ريالات، بينما الأغلى هي الصغيرة لأن سعر اللتر فيها يبلغ 13 ريالا ويبلغ سعر اللتر في الثالثة 10.5 ريال، سعر الوحدة في هذا القياس هذا لم يكن يعلن عنه أبدا، فإذا أعلن عنه الآن فإن الأمور ستختلف كثيرا حتى بين المنتجات التي تقدم المنتجات بالحجم الظاهري نفسه. بالطبع إذا كانت الأمور بهذا الوضوح فإن على المستهلك الذي يريد التوفير أن يحصل على العلبة المتوسطة الحجم حتى لو كان يريد كمية كبيرة فإن الأوفر له هو هذا الحجم. بالطبع سيظل المستهلك هو صاحب القرار وفقا لظروفه ووفقا لاحتياجاته، لكن الميزة الأساسية في القرار أنه سيقضي على الغرر في البيع والشراء في محال التموينات. لهذا أشيد بهذا القرار تماما وهو خطوة موفقة جدا، والآن وزارة التجارة تعمل في مجالها فعلا، والوزارة بهذا ستقضي على ظواهر عدة في وقت واحد، فلا بد من وضوح سعر البيع والوزن وطريقة القياس وسعر الوحدة أمام كل سلعة معروضة في محال التموينات التي تزيد مساحتها على 300 متر مربع. وهذا يعني أن يتم وزن كل سلعة بدقة، وأن يتم البيع وفقا للوزن المعلن عنه، مهما كانت نوعية التعبئة، وهذا سيحسم كثيرا من الظواهر السلبية التي انتشرت أخيرا، ومنها التغليف غير النظامي الذي لا يحدد المواصفات ولا الوزن لما في المغلف.

ورغم إشادتي الكاملة بالقرار والخطوة الموفقة جدا فإنني أتمنى أن تقوم وزارة التجارة بخطوات مماثلة وأشد حزما وعزما في موضوع التلاعب في الموازين والبيع بالغرر والجهالة في كل تفاصيل الأعمال التجارية، وليس التموينات وحدها، فهذا صلب عمل الوزارة ومبرر وجودها، وهي بهذا تعمل عمل أهل الحسبة، الذين يرضى الله عنهم، وهم في هذا حماية للوطن والدين، فانتشار هذه الظواهر خطير جدا ومؤذن بعذاب الله، قال تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب". وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنني أركز في مقالي هذا على ما يحصل في أسواق الذهب مما يمثل مخالفات شرعية واضحة جدا في البيع بالغرر وبيع الجهالة وتطفيف الميزان، واستغلال حاجة المواطن، عمالة أجنبية ليس عليها أدنى وسائل الرقابة المحاسبية الضرورية، بيع بفواتير يدوية وتجاهل لكل الأنظمة المحاسبية والإلكترونية الحديثة، إهمال شديد في تداول الذهب، في تسليمه وتسلمه، بل وصل الأمر حتى الغش فيه أو في نوعه. لقد تحدثت عن التلاعب في الموازين كثيرا، وخطوة وزارة التجارة في سعر الوحدة خطوة ممتازة تشجع على العودة والحديث مرات عن هذه الموضوع.

ما نحتاج إليه اليوم من وزارة التجارة هو خطوة في تجارة الذهب، تماثل تلك التي قدمتها الوزارة في مجال التموينات، فنحن في حاجة ماسة إلى أن تكون هناك بطاقة سعر واضحة جدا وإجبارية ومختومة بختم المحل نفسه وليس المصنع، يوضح فيها نوع الذهب ومصنعه وعياره ووزنه وكم نسبة الزجاج فيه وسعر المصنعية كما يسمونها للجرام الواحد، وبطاقة أخرى واضحة في مكان بارز يوضح فيها سعر الجرام عند البيع والشراء من الذهب وفقا لآخر الأسعار ووفقا لكل عيار وبشكل واضح. هذا ما نريده في اعتقادي، وإن كنت أفضل أن تقوم الوزارة بدارسة أشمل وورش عمل تشمل عددا كبيرا من المستهلكين خاصة النساء.

فالمستهلك في المملكة يعاني كثيرا من محال الذهب، خاصة نساءنا. فالمتعامل معهن هو الرجل، ونحن نعرف خصوصية العلاقة في المملكة، والصعوبات التي تجدها المرأة وتحرجها من الجدل في السوق مع العمالة الأجنبية، أضف إلى ذلك أن معظم الناس لا يستطيع أن يفرق بين عيارات الذهب، ونحن نشهد أمامنا عمليات بيع واضحة لعيار 18 مثالا بأسعار عيار 22 وأعلى، والبائع يعرف أن معظم الناس لا يدرك الفرق ولهذا يتلاعب عليهم على أساس أن الأغلى في الذهب هو الأثمن بالطبع، لكن للأسف فليس كل ما يلمع ذهبا، فهناك نحاس في هذا الذهب وهناك كثير من الزجاج، ومع ذلك يتم وزن الجميع في أسواقنا وبيعه كالذهب بلا رحمة للمواطن وبغرر واضح، حتى أصبح جرام الزجاج يباع بسعر 150 ريالا في المملكة، فهل من بعد هذا من غش وغرر، ثم عند البيع يتم استبعاد وزن الزجاج بجهالة وغرر للمستهلك واضح أيضا وبمجرد تقديرات شخصية، أو يتم نزعه إذا كان يسهل ذلك، فهل من بعد هذا تطفيف، ومهما تحدثت مع البائعين فلا مجيب، لقد صموا وعموا كثيرا، ولا رقيب ولا حسيب عليهم. فهل من عزم وحزم يا وزارة التجارة في هذا الموضوع الخطير المهم.

(المصدر: الاقتصادية 2016-04-09)