هل تسقط «روسنفت» الروسية ضحية لتراجع أسعار النفط؟
في أنحاء قطاع النفط العالمي كافة، من تكساس إلى بحر الشمال مرورا بالخليج العربي، تبقى الحفارات ساكنة، في الوقت الذي تستجيب فيه شركات الطاقة لتراجع أسعار النفط الخام، عن طريق تخفيض الاستثمارات.
على أن الأمر ليس كذلك في مستنقعات سيبيريا التي تعتبر معقل شركة روسنفت. في يوجانسكينفيتجاز، شركة الإنتاج التابعة لها التي تشكل أكثر من عشر إنتاج النفط في البلاد، ضاعفت مجموعة النفط الروسية التي تسيطر عليها الحكومة معدل الحفر خلال عام 2015.
هذه الخطوة غير المتوقعة تسلط الضوء على تناقض يقود صناعة النفط الروسية بسبب ضعف الروبل وطبيعة نظام الضرائب في البلاد، تتأقلم شركات الطاقة مع الانخفاض في أسعار النفط الخام بشكل أفضل من أقرانها في أي مكان في العالم. روسيا، ثالث أكبر بلد لإنتاج النفط في العالم، رفعت الإنتاج إلى المستويات القياسية ما بعد الاتحاد السوفيتي البالغة 10.91 مليون برميل يوميا في كانون الثاني (يناير) الماضي، جزئيا بسبب زيادة بنسبة 12 في المائة في الحفر العام الماضي.
هذا قد لا يكون كافيا. مع تراجع حقول سيبيريا الغربية الضخمة التي تم تطويرها في زمن الاتحاد السوفيتي، تحتاج روسيا إلى الاستثمار بمقدار أكثر بكثير للحفاظ على استمرار إنتاج النفط. زيادة مجموعة روسنفت للحفر في شركة يوجانسكينفيتجاز جاءت مع تراجع الإنتاج في الوحدة بنسبة 3.2 في المائة العام الماضي. قالت شركة روسنفت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إن في إمكانها رفع النفقات الرأسمالية بمقدار الثلث هذا العام من حيث الروبل مقارنة بعام 2015، فقط للحفاظ على استقرار الإنتاج.
يقول رونالد سميث، المحلل في مجموعة سيتي، إن الشركات الروسية "في حلقة مفرغة. كلما كنت أكبر، عليك العمل بشكل أسرع للحفاظ على الإنتاج ثابتا".
مع الضربة المزدوجة من العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط، من غير المؤكد ما إذا كانت روسيا قادرة على الحفاظ على الإنتاج في المستويات الحالية على المدى المتوسط إلى الطويل - وهي أولوية أساسية لحكومة الرئيس فلاديمير بوتين التي كانت تعتمد على النفط والغاز لتحقيق نحو نصف إيراداتها.
يعتقد بعض المحللين أن هذا يعني أن مستويات الإنتاج القياسية ما بعد الاتحاد السوفيتي في كانون الثاني (يناير) الماضي، يمكن أن تكون بمنزلة علامة عالية بالنسبة لإنتاج النفط الروسي على مدى العقود القليلة المقبلة - وبالتالي فإن الاتفاقية المؤقتة التي توصلت إليها البلاد الشهر الماضي مع السعودية لإبقاء الإنتاج عند مستويات كانون الثاني (يناير) الماضي، قد تكون ببساطة بمنزلة إضفاء الطابع الرسمي على الوضع الراهن.
مع ذلك، هناك عدد قليل من المحللين يتوقعون انخفاض الإنتاج الروسي بشكل كبير في المستقبل القريب. السبب الأول هو الانخفاض في قيمة الروبل، الذي خفف كثيرا من وطأة انخفاض أسعار النفط بالنسبة للشركات التي تبيع النفط بالدولار، لكنها تدفع أجور العاملين بالروبل. على سبيل المثال، في لوك أويل، الشركة المملوكة للقطاع الخاص التي تعتبر ثاني أكبر شركة لإنتاج النفط في روسيا، انخفضت تكلفة ضخ النفط الخام بنسبة 35 في المائة على أساس سنوي من حيث الدولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015.
بالقدر نفسه من الأهمية هناك نظام الضرائب في روسيا، الذي تتمتع بموجبه ميزانية الحكومة بالغالبية العظمى من أي كسب مفاجئ عندما ترتفع أسعار النفط، وتتحمل الألم أيضا عندما تنخفض القيم. هناك عامل آخر يدعم التوقعات على المدى القصير بالنسبة لإنتاج النفط الروسي، هو مليون برميل يوميا من الإنتاج المقرر أن يبدأ خلال الأعوام الخمسة المقبلة عن طريق إطلاق مشاريع جديدة.
الاستثمارات في الإنتاج الروسي الجديد مشكوك فيها بشكل متزايد في حال بقيت أسعار النفط منخفضة.
جزء كبير من المشكلة هو مالي؛ التأثير المشترك للعقوبات الغربية المتعلقة بصراع أوكرانيا وانخفاض أسعار النفط قد أجبر شركات النفط الروسية على تحديد أولويات استثماراتها.
موقف شركة روسنفت هو أكثر تعقيدا بسبب ديونها الضخمة. يقول ماثيو ساجرز، المحلل في شركة آي إتش إس: "لقد كانت الشركات قادرة على استخدام نقودها للتركيز على المشاريع في فترة تحضير قصيرة وتأثير كبير. وهذا سمح لها بالحفاظ على الإنتاج من خلال النقود التي لديها".
بيد أن التحدي الرئيسي لصناعة النفط الروسية هو في المستقبل البعيد.
على مدى عقدين من الزمن، كانت شركات النفط تعتمد إلى حد كبير على الاكتشافات التي تمت في زمن الاتحاد السوفيتي، لكن بعد انخفاض المحصول الحالي من المشاريع الجديدة، سيكون هناك القليل من النفط التقليدي لتطويره.
كانت الحكومة قد أملت أن الفجوة سيتم التعويض عنها من الزيت الصخري - يقدر أن روسيا تحتفظ بالاحتياطيات الأكبر من هذا النوع في العالم - والقطب الشمالي، واحد من المصادر الأخيرة غير المستغلة من النفط الخام.
العقوبات منعت شركات النفط الغربية الكبيرة من المشاركة في المشاريع في القطب الشمالي الروسي، فضلا عن المبادرات لتطوير الزيت الصخري في البلاد. على سبيل المثال، في عام 2014، أوقفت شركة إكسون موبيل مشروعا مشتركا مع شركة روسنفت في القطب الشمالي، بينما أوقفت شركة رويال داتش شل العمل على مشاريع الزيت الصخري مع شركة جازبروم نيفت.
يجادل بعض المحللين أن روسيا يمكن أن تحافظ على الإنتاج في المستويات الحالية بدون مشاريع القطب الشمالي أو الزيت الصخري، إذا تم تعديل نظام الضرائب في البلاد لتحفيز مزيد من الاستثمارات في الحقول المستنزفة - وهو أمر تدرسه الحكومة حاليا. تقول كارين كوستانيان، المحللة في بنك أمريكا ميريل لينش: "بحلول عام 2018، إما علينا تغيير نظام الضرائب أو رؤية الإنتاج ينخفض".
قد تكون الضرائب أكبر خطرا على قدرة روسيا على الحفاظ على الإنتاج. مع إيرادات النفط المقرر أن تنخفض بشكل حاد هذا العام، بالتالي زيادة عجز الميزانية الروسية إلى ما يقدر بنسبة 4.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقا لوكالة ستاندرد آند بورز، فإن المسؤولين في روسيا يطالبون بزيادة الضرائب على قطاع الطاقة.
سيرجي شاتالوف، نائب وزير المالية، قال في كانون الثاني (يناير) الماضي، إن صناعة النفط يمكن أن تنجو من "التخلص من بعض الترهل".هذا يأتي بعد تعديل الضرائب المفروضة على القطاع العام الماضي لجمع مبلغ 200 مليار روبل إضافي.
يقول فلاكسديمير دريبينتسوف، كبير خبراء اقتصاد روسيا ورابطة الدول المستقلة في شركة بريتش بتروليوم: "هذه البلاد تملك القدرة على الإنتاج لأكثر من 20 عاما بهذا المستوى".
"كل هذا هو علامة على النظام المالي. إذا حاولوا الضغط كثيرا، فإن إنتاج النفط سينهار".
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-03-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews