الخدمات المصرفية الإسلامية توسع جمهورها

أدّت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى انخفاض أسعار الفائدة، وارتفاع المخاطر، فيما يلوذ المستثمرون ببر الأمان. هل يمكن للخدمات المصرفية الإسلامية أن تعوض هذا الركود؟

تتبع الخدمات المصرفية الإسلامية الحديثة الشريعة الإسلامية، وفقا لمجالس علماء الشريعة الإسلامية التي تختلف بين منطقة الشرق الأوسط المحافظة، ومناطق جنوب شرق آسيا الأكثر تقبلا، فيما الأساسيات لا تزال هي نفسها: حظر الفائدة، وعمل البنوك وفق نظام تقاسم الأرباح والخسائر. تنطوي القروض المصرفية على قيام البنك بشراء السلع بسعر السوق، ومن ثم بيعها للعميل بسعر أعلى، فيما يحتفظ البنك بالفارق. وبالمثل، لا يتم دفع الفائدة على حسابات الودائع، بل يتقاسم المستثمرون الأرباح مع البنك على مستوى معين بحيث تمكن المنافسة في السوق التقليدية. يحظر القرآن الكريم تمويل الشركات المعنية بسلع وخدمات تعتبر غير أخلاقية "مثل لحم الخنزير والسلاح والقمار" كما يحظر استثمارات المضاربة، ويصرّ على وجوب دعم جميع المعاملات المالية بأصول ملموسة.

هذا الابتعاد عن المشتقات، وعن التزامات ديون الرهن العقاري، وعن غيرها من المشاريع التجارية المحفوفة بالمخاطر، جعل قطاع التمويل الإسلامي يصمد أمام الموجة الأولى من الأزمة المالية العالمية، ويحافظ على حاله نسبيا. لكن مع امتداد أثر الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي، فإن المصارف الإسلامية، خصوصا منها تلك الموجودة في الشرق الأوسط، والتي استثمرت بكثافة في القطاع العقاري، بدأت تشعر بوطأة الأزمة. لكن مع لجوء البنوك المركزية حول العالم إلى تخفيض عوائدها، وجدت المصارف الإسلامية نفسها أكثر قدرة على المنافسة.

وفي هذا الصدد، قال حسين القمزي، الرئيس التنفيذي لبنك نور الإسلامي لمعرفة التابعة لـ "إنسياد" INSEAD Knowledge، على هامش مؤتمر دولي حول تمويل الشركات الإسلامية في أبو ظبي أخيرا: "لم يعد يمكن النظر إلى التمويل الإسلامي كمجرّد بديل يتسم بانخفاض المخاطر أو بالسلوكيات الأخلاقية أو الدينية". وأضاف: "أعتقد أن النمو الذي يحدث اليوم يتعلق بالمنافسة".

منذ افتتاح أول بنك تجاري إسلامي حديث في دبي عام 1975، تطوّر التمويل الإسلامي من تقديم خدمة مخصصة للمسلمين تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، للاستثمار والقيام بالأعمال التجارية، إلى قطاع ناضج سريع النمو، تقدّر أصوله بنحو تريليون دولار. وفي حين يمثل هذا الرقم ما يزيد قليلا على 1 في المائة من الأصول الإجمالية في العالم، فإن قوة قطاع التمويل الإسلامي تكمن في آفاق نموها.

لجأ بنك نور الإسلامي، الذي أطلق أمام جمهور دولة الإمارات العربية المتحدة في كانون الثاني (يناير) 2008، قبل أن تعصف الأزمة الاقتصادية بالمنطقة ببضعة أشهر، إلى وضع خطط نموه الدولي على الرف بعدما بات مدى الانكماش واضحا. وبعد إعادة توجيه جهوده إلى السوق المحلية، استطاع نور أن يحقق أرباحا في النصف الأول من 2011، قبل ستة أشهر من الموعد المحدد. يقول القمزي إن البنك سيراجع استراتيجية نموه في 2012 بهدف التوسع في دول إفريقية مثل مصر وتونس، حيث لا يزال معدل الاختراق أقل من 10 في المائة في أسواق تضم ملايين المسلمين الذين بدؤوا الانتقال من الاقتصاد النقدي والسعي إلى صفقات مالية حلال. وقد أصدر صندوق النقد الدولي أخيرا دراسة بعنوان "المصارف الإسلامية: أكثر مرونة إزاء الأزمة"، وجد فيها أن المؤسسات المالية الإسلامية شهدت نموا في الائتمان وفي الأصول لا يقل عن ضعفي ما شهدته البنوك التقليدية منذ عصفت الأزمة، مع زيادة قيمة الأصول بنسبة 21 في المائة في 2011. وقد سجل نمو قوي في معظم المناطق، التي تعمل فيها، بدءا من أكبر سوق في العالم للتمويل الإسلامي في ماليزيا، مرورا بمنطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، وصولا إلى الأسواق الناشئة في شمال إفريقيا. وتحرص البنوك الإسلامية اليوم للاستفادة من افتقار البنوك التقليدية إلى السيولة الائتمانية، من خلال تقديم أسعار تنافسية، وتوسيع حضور هذا القطاع في سوق الخدمات المصرفية التقليدية. يؤكد القمزي: "مع منتجات مثل الصكوك الإسلامية وهياكل قروض مشتركة جديدة، يمكننا فعل كل ما يمكن أن تفعله المصارف التقليدية.. بل ويمكننا فعل ذلك بشكل تنافسي".

يقول القمزي إن نحو 40 في المائة من عملاء البنك أفراد وشركات هم من غير المسلمين.

في تشرين الأول (أكتوبر)، ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن البنوك الإسلامية كانت توفر أفضل العوائد على الودائع النقدية المودعة لمدة عامين وثلاثة أعوام وأربعة أعوام وخمسة أعوام، مشيرا إلى أن بنك لندن والشرق الأوسط BLME شهد زيادة قدرها أربعة أضعاف في ودائع العملاء، ومعظمهم من المستثمرين غير المسلمين. ويعد بنك لندن والشرق الأوسط واحدا من المزودين الرئيسيين للخدمات المالية الإسلامية في المملكة المتحدة، يبلغ الحد الأدنى لقروضه 50 ألف جنيه استرليني.

ومع ذلك، فمن المتوقع أن تأتي الرافعة الحقيقية لنمو القطاع المصرفي الإسلامي من تمويل الشركات الدولية، مع ما تشهده البنوك التقليدية من تشديد أنماط إقراضها، ومع تدارس الشركات التجارية الكبيرة مسألة شمل المؤسسات الإسلامية في تمويلها، سواء كان ذلك من خلال القروض المشتركة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أو من خلال التمويل التجاري، أو استخدام غيرها من منتجات القروض المهيكلة، فإن التمويل الإسلامي يستفيد من اتساع السيولة والخبرات التي اكتسبها من دول مجلس التعاون الخليجي في ميدان تمويل المشاريع، ليقدّم بدائل منافسة لسوق تمويل الشركات العالمي. قال ديفيد ماكلين، العضو المنتدب لشركة ميجا MEGA، المظلة التي تمثّل بعض أكبر مؤتمرات التمويل الإسلامي في العالم، في حديثه لمعرفة التابعة لـ"إنسياد": "إن قطاع التمويل الإسلامي قد باشر في الاستفادة من القروض المشتركة الكبيرة".

تعد الصكوك الإسلامية، التي سبق ذكرها، المنتج الأكثر شعبية من بين المنتجات المالية الإسلامية المستخدمة في التمويل الإسلامي للشركات. هذه الصكوك، التي كانت قد وصلت ذروتها البالغة 87 مليار دولار أمريكي، ثم تراجعت بشكل كبير في أعقاب الأزمة المالية العالمية، تشهد اليوم انتعاشا في مبيعاتها العالمية.

في النصف الأول من 2011، جمعت هذه الصكوك 43.8 مليار دولار أمريكي عالميا، مسجلة رقما قياسيا جديدا. وفي أيار (مايو) من هذا العام، أصبح بنك HSBC إتش إس بي سي الشرق الأوسط أول بنك الدولي يصدر صكوكا إسلامية عامة بمبلغ قياسي بلغ 500 مليون دولار أمريكي. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، سجلت "جولدمان ساكس" برنامجا للسندات الإسلامية بقيمة ملياري دولار أمريكي.

وقد لاحظ محمد داود، المدير العالمي لأسواق رأس المال في HSBC أمانة، التابعة لبنك HSBC الشرق الأوسط، وجود تغيير في نسبة المشترين الدوليين الحريصين على الوصول إلى سوق الصكوك.

(المصدر: الاقتصادية 2016-03-20)