ماذا يخفي الانسحاب الروسي المفاجئ؟
تناول تقرير إعلان روسيا المفاجئ عن سحب جزء كبير من قواتها من سوريا، واعتبر أن الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار ليست تعزيز فرص السلام، بل هي نجاح روسيا في إنقاذ نظام بشار الأسد واستعادة دورها في الشرق الإقليمي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن تدخلها في سوريا ترتب عليه مشكلات عديدة ونفقات ثقيلة.
وقال التقرير، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ العالم بإعلانه عن سحب قسم من قواته من سوريا، وقد يظن البعض أنه يهدف من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز السلام، ولكن وراء هذا القرار تختفي "حسابات باردة" لا علاقة لها بالمصالح السورية.
وأشار إلى أن هذا الإعلان لا يعني الانسحاب الكلي للقوات الروسية، حيث إنها ستبقي على عدد هام من الجنود والعتاد، مع إمكانية زيادة عددهم في أي وقت، خاصة في القاعدة البحرية في طرطوس، ومطار حميميم في اللاذقية، كما ستبقي روسيا على بعض السفن الحربية وأنظمة الدفاع الجوي؛ من أجل حماية قواعدها من أي هجمات جوية أو بحرية.
وكانت روسيا -بعد انخراطها في الحرب السورية قبل نحو ستة أشهر- قد أعلنت أن هدفها هو محاربة تنظيم الدولة، وإذا كان هذا هو الهدف الحقيقي من تدخلها فإن قرار الانسحاب ليس منطقيا، ذلك أن هذا التنظيم رغم تكبده ضربات موجعة في الأشهر الأخيرة، فإنه لا يزال صامدا على أغلب مناطق سيطرته، وبما أن هذا التنظيم لا يزال محافظا على أغلب قدراته، فإن قرار بوتين يعني أن تدخله منذ البداية لم يكن أبدا بهدف محاربة الإرهاب.
وفي المقابل، اعتبر التقرير أن "الأهداف الحقيقية" من التدخل الروسي قد تحققت في معظمها، حيث إن موسكو نجحت في إنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار، وقد استعادت قواته زمام المبادرة بعد أن كانت تعاني من الضعف والتقهقر، بفضل الدعم الجوي الذي قدمته الطائرات الروسية والدور الذي لعبته القوات الإيرانية، وهو ما سمح لبشار الأسد باستعادة السيطرة على مناطق هامة في محافظات اللاذقية وحلب وإدلب، ومحاصرة مدينة حلب خلال الفترة الماضية.
كما نجح الأسد في ترجمة هذا التقدم العسكري إلى مكاسب سياسية دعمت موقفه التفاوضي أمام الولايات المتحدة، التي غيرت موقفها بناء على هذه التطورات الميدانية، وقررت التخلي عن مطلب رحيله كشرط أساسي قبل بدء المحادثات.
كما أن بوتين حقق من خلال تدخله هدفا آخر لم يعلن عنه منذ البداية، وهو استعادة النفوذ الجغرافي والسياسي لروسيا في الشرق الأوسط، حيث إن تدخله في سوريا جعله شريكا لا يمكن الاستغناء عنه لإيجاد حل للحرب الدائرة منذ خمس سنوات، كما أمّن هذا التدخل دورا محوريا لروسيا على طاولة المفاوضات، ولا أدل على ذلك من أن فلاديمير بوتين أعلن في نهاية شهر شباط/ فبراير المنقضي بكل فخر أنه اتفق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وقف لإطلاق النار.
ونجحت روسيا بهذا التدخل في فرض نفسها كقوة عالمية من جديد، تتخذ قرارات السلم والحرب بكل ندية مع الولايات المتحدة، وهو ما أطلق موجة من المشاعر القومية في الداخل الروسي، وأمن الدعم الشعبي اللازم لبوتين.
وهنالك أسبابا أخرى قد تكون دفعت بروسيا لسحب قواتها من سوريا مجبرة وليس باختيارها، حيث إن عملياتها العسكرية في سوريا التي انطلقت منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، كبدتها تكاليف مالية وسياسية كبيرة، وعرضتها لانتقادات دولية كبيرة، بسبب قيامها بقصف المدنيين، كما أن تعرض إحدى مقاتلاتها للإسقاط من قبل سلاح الجو التركي أدى إلى نشوب أزمة حادة بين البلدين، بالإضافة إلى تدهور علاقاتها مع دول المنطقة، وخاصة السعودية. كما تضاف إلى كل هذه المشكلات الكلفة الباهظة لتواجد قواتها في سوريا، حيث إنها تكلف حوالي 2,5 مليون دولار يوميا.
وختاما، خلص التقرير إلى أن كل هذه الحقائق تشير إلى أن قرار موسكو المفاجئ جاء مدفوعا برغبة في تأمين المكاسب الظرفية التي حققتها إلى حد الآن، قبل أن تتفاقم الخسائر وتصبح الكلفة أكثر من أن تحتمل بالنسبة لروسيا، وقبل أن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة للروس.
(المصدر: صحيفة دي فيلت الألمانية 2016-03-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews