خيارات التمويل الإسلامي في ظل تقلبات الأسواق
الأسواق العالمية اليوم تشهد متغيرات وتقلبات غير واضحة المعالم، فالمراقب للأسواق المالية العالمية من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية يجد أن هناك تقلبات قد تكون حادة أحيانا في ظل تقلبات في اتجاهات المستثمرين بين التفاؤل والتشاؤم، يتزامن ذلك مع عودة الارتفاع للمعدن النفيس الذهب الذي يلجأ إليه المستثمرون ويسمونه بالملاذ الآمن باعتبار أنه يحتفظ نوعا ما بقيمته وهامش تقلب الأسعار فيه محدود عادة، مقارنة بالأصول الأخرى، التي قد تتأثر بصورة حادة في حال وجدت تقلبات في الأسواق، وفي هذه الظروف ما الخيارات التي ينبغي أن يهتم بها التمويل الإسلامي من أجل تخفيف حدة هذه الأزمة عليه، والنظر في الخيارات التي يمكن أن تحقق له عوائد جيدة في ظل الظروف الحالية، خصوصا عندما نعلم أن التمويل الإسلامي اليوم أصبح جزءا مؤثرا في الاقتصادات، خصوصا الخليجية بسبب التوسع الكبير خلال الفترة الماضية في أنشطتها التي جاءت مدعومة بتحسين البيئة التشريعية والتنظيمية له، إضافة إلى النمو الاقتصادي الكبير الذي تحقق في المنطقة بصورة عامة.
لا شك أن التمويل الإسلامي جزء لا يتجزأ من منظومة الاقتصاد في العالم يتأثر بالمتغيرات بصورة مباشرة ويستفيد من حالة الانتعاش التي تصاحب النشاط الاقتصادي، خصوصا في منطقة الخليج التي أصبحت تستأثر بالحصة الأكبر لاستثمارات التمويل الإسلامي ليس داخل المنطقة فقط بل حتى في استثمارات التمويل الإسلامي الخارجية، وحصول تقلبات في أسعار النفط قد يؤدي إلى تقلص حجم السيولة التي ستتدفق على المؤسسات المالية الإسلامية باعتبار أن السيولة في المنطقة تتأثر بأسعار النفط، حيث إنه المصدر الأهم للناتج المحلي في منطقة الخليج الغنية بالنفط.
الحالة الاقتصادية العامة في العالم غير متشابهة والتمويل الإسلامي خلال الفترة الماضية نجح في التوسع على مستوى الرقعة الجغرافية، كما نجح في ابتكار مجموعة من المنتجات التي أصبحت أيضا محل اهتمام كثير من الدول في العالم التي جعلت من بعض تلك الدول تهتم بصورة كبيرة بالتمويل الإسلامي، وهذه النجاحات السابقة قد تكون أهم داعم لاستمرار توازن التمويل الإسلامي في ظل تقلبات الأسواق المالية في العالم، ومع ذلك نجد أن الخيارات المتاحة قد يكون فيها مخاطر مختلفة في مستوياتها.
لعل أهم منتج يمكن أن يحظى بالاهتمام خلال الفترة القادمة هو منتج الصكوك الإسلامية والسبب في ذلك أن هناك حاجة للسيولة على مستوى منطقة الخليج والسيولة أمر لا تستغني عنه معظم الدول الصناعية المتقدمة اقتصاديا في العالم، ولعل دلائل الحاجة إلى هذا المنتج نجده في قرارات دول الخليج التي بدأت فعليا في إصدار مجموعة من السندات الحكومية بغرض دعم مشاريعها وتغطية نفقات برامجها الاقتصادية، وهذه الإصدارات يلاحظ بأنها بعوائد أفضل من الفترة الماضية بسبب انخفاض نسبي للسيولة في السوق، وارتفاع معدل الفائدة للبنوك المركزية، إضافة إلى الانخفاض المحدود للتصنيف الائتماني لبعض دول الخليج من خلال شركات التصنيف العالمية، الذي قد يكون له أثر بصورة طفيفة على تكلفة إصدار السندات الحكومية.
يقابل السندات الحكومية في التمويل الإسلامي منتج الصكوك الإسلامية الذي يعتبر أحد أهم المنتجات التي نجحت في المالية الإسلامية أخيرا، الذي يمكن المؤسسة الحكومية والشركات والأفراد من الحصول على السيولة، ويمكن المستمر من الاستفادة من الارتفاع في العوائد على هذه الأداة التي تعتبر منخفضة المخاطر مقارنة بأدوات التمويل الإسلامي، ولعل الأوضاع الحالية قد تعزز من فرص طرح المزيد من الصكوك الإسلامية ليس على مستوى الشركات والمؤسسات المالية بل سيكون ذلك على مستوى المؤسسات الحكومية التي بدأت فعليا بإصدارات للصكوك الإسلامية في دلالة على مستوى عال من الثقة بهذه الأداة المتوافقة مع الشريعة.
من القطاعات التي لم تحظ بالاهتمام الكافي في قطاع التمويل الإسلامي هو قطاع التكافل رغم الحاجة الكبيرة لهذا القطاع، فالنموذج الذي يقابله في المؤسسات التقليدية وهو التأمين يستقطب حجما هائلا من الاستثمارات، أما في التمويل الإسلامي فنجد أن هذا القطاع يعاني كثيرا في ظل ضعف الاهتمام به ومحدودية المنتجات مقابل حاجة السوق وضعف قدرتها في التوسع داخل المنظومات الاقتصادية من خارج المؤسسات المالية الإسلامية، وليس من الواضح إذا ما كان هذا القطاع قد يستفيد من التقلبات، إذ يتطلب الأمر إبراز قدرته وكفاءته في تسويق منتجاته وإثبات جدوى تفضيله على القطاع المنافس له اقتصاديا.
فالخلاصة إن التقلبات في الأسواق العالمية ستؤثر قطعا في التمويل الإسلامي سلبا أو إيجابا ومن هنا تأتي أهمية العناية بالخيارات المناسبة للتمويل الإسلامي في ظل هذه المتغيرات ولعل الصكوك الإسلامية قد تكون خيارات مناسبة في ظل هذه الظروف، ولكن يبقى أن قطاعا مهما وهو قطاع التكافل رغم أهميته ليس واضحا إذا ما كان لديه خيارات تناسب المتغيرات الحالية.
(المصدر: الاقتصادية 2016-02-27)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews