الغاز .. هل يفك ارتباطه عن النفط؟

على مدى 12 شهرا الماضية، تم تأجيل أو إلغاء عديد من المشاريع الاستخراجية في مناطق مختلفة من العالم ويجري حاليا خفض الميزانيات الاستثمارية لشركات النفط العالمية، التي هي ضعيفة أصلا. وهذا ينطبق على عمليات النفط والغاز معا، حيث إن أسعار الغاز الطبيعي تراجعت أيضا وتراوح الآن في حدود دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أمريكا الشمالية، ودون خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أوروبا، ونحو ثمانية دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في آسيا. وفي الآونة الأخيرة بيع الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الفورية حتى أقل من ذلك، في أوروبا راوح بين أربعة وخمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفي آسيا بين خمسة وستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. من الصعب جدا معرفة متى بالضبط سيظهر تأثير التخفيضات في ميزانيات المشاريع الاستخراجية في الإنتاج والكيفية التي سيتم بها تقاسم هذا التأثير بين الغاز والنفط، لكن من المؤكد أن تراجع الإنتاج سوف يحدث في مرحلة ما لا محالة.

وهناك بعض الأمور الأخرى مؤكدة بالقدر نفسه. على سبيل المثال، مع تحول منظمة أوبك إلى الدفاع عن حصتها السوقية، لم يعد من المؤكد ضمان أسعار مرتفعة للنفط كما يأمل منتجو الغاز والنفط معا، ومن المحتمل ألا تقوم "أوبك" بعمل ذلك أبدا مرة أخرى.

من الأمور غير المشجعة للنفط أيضا، هو الحديث الذي يطفو على السطح ليس فقط من قبل دعاة حماية البيئة بل أيضا يتداول بين محللي أسواق النفط والأسهم، من أن الصناعة النفطية لن تتعافى من هذه الضربة القاصمة، نظرا للتوقعات بأن جهود التخفيف من آثار تغير المناخ ستبدأ قريبا في إعاقة نمو الطلب على النفط، حتى إذا كانت الأسعار منخفضة. نتيجة لذلك قد تشهد أسواق النفط تقلبات كبيرة في الأسعار على مدى السنوات القادمة، وتميل نحو الجانب المنخفض مع بدء إضعاف الطلب على النفط ـــ ولكن هناك احتمالية أيضا لحدوث ارتفاع كبير في الأسعار نتيجة نقص الاستثمارات.

لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا حال الغاز الطبيعي، نظرا لقدرته على خفض انبعاثات الكربون عن طريق إزاحة الفحم من قطاع توليد الطاقة، كما أن حصة الكهرباء من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية سترتفع في السنوات المقبلة، وليس آخرا على حساب استهلاك النفط في قطاع النقل. لكن ليس من المؤكد أن تتحقق احتمالات نمو استهلاك الغاز بالكامل إذا ما استمر معظم الغاز في العالم مرتبطا بأسعار النفط.

التقلبات التي تواجه أسواق النفط نتيجة ركود أو انكماش الاستهلاك العالمي للنفط موجودة بالفعل، وربما قد تستمر، وهي شديدة جدا حيث لا يمكن تقليلها عن طريق تأخير تطبيق أسلوب جديد لتسعيرة الغاز. عادة عقود الغاز المرتبطة بالنفط تستمر لعدة سنوات أو حتى لعدة عقود، وستكون معرضة لحالات تقلبات الأسعار الطارئة التي تعصف بأسواق النفط ما لم يتفق أو حتى يتفاوض المشترون والبائعون على ترتيبات جديدة.

بالطبع الاتفاق على أسلوب جديد لتسعيرة الغاز ليس بالأمر الهين، على سبيل المثال، وجهة نظر البائعين أنه ليس هناك بديل قابل للتطبيق لتسعير الغاز في كثير من دول العالم. في المقابل يصر المشترون على أن ذلك ممكنا لا بل مطبق في الواقع، حيث إنه منذ فترة طويلة يتم تسعير الغاز بصورة مستقلة عن النفط في أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة، وبعد سنوات من الكفاح من قبل المفوضية الأوروبية، توفر أسواق القارة الأوروبية بشكل متزايد أسلوبا لتسعير العقود الآنية والمستقبلية للغاز بشكل مستقل عن النفط ما يوفر أساسا لعقود المبيعات الطويلة الأجل. على ما يبدو أن شركة جازبروم الروسية قد قبلت بهذا الواقع، وإن كان ربما على مضض، وتقوم حاليا ببيع كميات متزايدة من الغاز إلى أوروبا من خلال تسعيرة مراكز البيع، المناقصات والمبيعات الفورية.

الأمور في آسيا لا تزال تحتاج بعد إلى سنوات من العمل المضني لإيجاد مؤشر قياسي للعقود الآنية والمستقبلية (الآجلة) للغاز الطبيعي، ما يؤخر ذلك هو وجود عديد من العوامل التي يمكن تلخيصها بالاعتماد المفرط على عقود غير مرنة (جامدة) طويلة الأجل حالت دون ارتفاع حجم تداول العقود الآنية والآجلة ــــ أي بلغة السوق غياب مركز حقيقي لتسعير الغاز. وتعمل الصين، واليابان وسنغافورة معا من أجل بناء وتعزيز قاعدة للتداول التي من الممكن أن يثمر عنها مؤشر قياسي للعقود الآنية والمستقبلية للغاز ـــ لكن الكثيرين في المجتمع التجاري ــــ ولا سيما على جانب البيع ــــ ما زالوا يشككون في جدوى الآليات والأنظمة المتاحة حتى الآن لتحقيق هذا الهدف.

لكن، إذا ما أريد لهذا التوجه أن ينمو ويتطور، يجب أن يتكاتف الجميع؛ بائعون، ومشترون وحكومات من أجل وضع آليات لتسعير الغاز قابلة للتطبيق وتعكس أساسيات العرض والطلب الخاصة بالغاز. وكما هو حال جميع الأمور الأخرى المتعلقة بالوقود الأحفوري في هذه المرحلة، فإن هذه الاستراتيجية تحمل معها بعض المخاطر. على سبيل المثال، إذا بقيت أسعار الفحم المتداولة دوليا في مستوياتها المتدنية الأخيرة لفترة طويلة، واستمرت تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى في الانخفاض، فإن المنافسة بين هذه المصادر قد تؤدي إلى تراجع أسعار الغاز التي تحددها الأسواق إلى مستويات لا تغطي في كثير من الحالات تكاليف الإنتاج والنقل، خاصة بالنسبة لمعظم مشاريع الغاز الطبيعي المسال الكبيرة الجديدة.

احتمالات النجاح عندما يتم تسعير الغاز قبالة الغاز أفضل من الدخول في منافسة مع نتائج تحدد في أسواق أخرى. في أوائل عام 2014، عدد قليل جدا من المحللين توقع انهيارا مستمرا في أسعار النفط، ومستقبل النفط أصبح في وقت لاحق أقل، وليس أكثر وضوحا. العوامل السياسية والحروب تعقد المشهد أكثر في أسواق النفط وتعتم حتى على أساسيات العرض والطلب. لذلك يعتقد البعض أنه قد حان الوقت لفك الارتباط بين أسعار النفط والغاز.

(المصدر: الاقتصادية 2016-02-24)