مدى قدرتنا على مواجهة نزول أسعار النفط
لمّا ارتفعت أسعار النفط ووصل البرميل إلى 147 دولاراً، تصرفنا، شعباً وحكومة، تصرفاً غير حكيم. الكل، أو الغالبية العظمى على الأصح، مسؤولون عن هذا الخطأ. أسرفنا في الإنفاق، رفعنا الرواتب بطريقة عشواية غير مدروسة. حذّر بعض الاقتصاديين والخبراء من الآثار السلبية التي ستنجم عن هذا الإسراف، على أساس أنه لا يتناسب مع الإمكانات المالية لدولة الكويت. فاقتصادنا يعتمد اعتماداً شبه كلي على مورد وحيد وهو النفط، وهو مورد زائل، وأسعاره غير مستقرة، ولن نستطيع التحكم فيها. وأجريت دراسات منذ السبعينات لمواجهة تلك المشكلة، وتوصلت إلى نتائج مناسبة للمجتمع الكويتي. ومن أهم تلك النتائج، علينا أن نتقشف ولا ننفق كل إيرادات النفط، بل يجب خصم مبلغ محدد من ذلك الدخل لمستقبل الأجيال القادمة.
استحسن الجميع الفكرة، وتم الاتفاق عليها، وضرورة الالتزام بها وتنفيذها. لذا صدر قانون عام 1976 يحدد خصم نسبة %10 من عوائد النفط وتحويلها إلى صندوق الأجيال القادمة. وفي عام 2013، كما اعتقد، صدر قرار من الحكومة بخصم نسبة أكبر من الإيرادات قد تصل إلى %25. وشهد رصيد صندوق الأجيال القادمة تطوراً كبيراً منذ إنشائه حتى يومنا هذا. وتشرف الهيئة العامة للاستثمار على الصندوق وتديره إدارة متميزة، وأصبح لدى الصندوق عائدات جيدة يمكن الاعتماد عليها، ولا تستطيع الحكومة الاخذ من الصندوق إلا لحاجة قصوى، وبإذن من المجلس. كالاستفادة منه أثناء فترة الاحتلال للصرف على إعانة المواطنين في الداخل والخارج وتحرير الكويت وإعمارها. لذا تأثر الصندوق في تلك الفترة وانخفض رصيده ليصل الى 30 ملياراً، ولكن ارتفع الرصيد بعد ارتفاع أسعار النفط، وقد يصل في الوقت الراهن إلى ما يقرب من 580 مليار دولار.
علينا أن نشكر كل من ساهم في إبراز هذه الفكرة المتميزة وتبناها وشجع عليها. نخص منهم صاحب السمو الراحل الشيخ جابر الأحمد، وغرفة التجارة ومجلس إدارتها في تلك الفترة، ومجلس الأمة في تلك الفترة، والخبراء الاقتصاديين. وعلينا أن نحافظ على هذا الكنز الثمين، ونختار الأمناء المتخصصين لإدارته والإشراف عليه وتنميته. ولا نسرف في الإنفاق منه.
ولكن كيف نتصرف في معالجة العجز الناتج لانخفاض أسعار النفط؟
أعتقد أن الحكومة حتى الآن ليس لديها حلول. والمجلس وكثير من الشعب يرفضون فرض ضرائب أو الأخذ من جيوب المواطنين إلا إذا حاربت الحكومة الإسراف والتبذير من داخلها. لذا يجب أن تكون الحكومة قدوة وتأخذ زمام المبادرة في تخفيض الإسراف القائم في المؤسسات التي تشرف عليها، ويظهر القياديون في الدولة في مؤتمرات صحافية ليشرحوا للشعب أبعاد الظروف الاقتصادية الصعبة التي نواجهها وأخطارها إذا لم نوفر لها الحلول الملائمة وفي الوقت المناسب. فلا يجوز أن يظل الشعب مغيباً عن أخطار أزمة بلاده. وأعتقد أن الشعب على أتم الاستعداد للتضحية من أجل سلامة الدولة، خصوصاً إذا رأى القيادات الحكومية جادة في محاربة الإسراف من داخلها وأصبحت قدوة له في الإصلاح.
(المصدر: القبس 2016-02-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews