رسالة مفتوحة للسيسي
سلام يا سيدي. أكتب لك كمواطن اسرائيل وكصحافي، يغطي منذ 17 سنة شبكة العلاقات بين اسرائيل ومصر. أسلافك وضعوا في ايديك أداة سياسية تستهدف ممارسة الضغط على حكومة اسرائيل: قطع كل اتصال من أي نوع مع المجتمع المدني عندنا هنا. علماء، صحافيون، رياضيون، اكاديميون وفنانون مصريون مطالبون بعدم اجراء أي اتصال مع اسرائيل والاسرائيليين، كعقاب على أنها تسيطر على الفلسطينيين. وانا أكتب لك اليوم، سيدي الرئيس، لانه حان الوقت لازالة هذه المقاطعة من العالم. وبإذنك أعلل.
دعك منا في أن المقاطعة تمنعنا من ان نستهلك الثقافة المصرية بكاملها، ولكن لماذا المس بالمواطن المصري؟ من بين 90 مليون مصري لا بد أن هناك من يرغبون في ان يشاهدوا السينما المصرية، ان يشاهدوا المسرحيات التي كتبت هنا بل وان يرونا كم هي عاصفة ونشطة كرة القدم لديكم. انا واثق من ان البطل المصري، الاهلي، كان سيثير حماسة شديدة في العالم كله لو انه لعب في اسرائيل، او استضاف بطلنا، مكابي تل أبيب.
ومن بين قراء الكتب الكثيرين في بلادك، لا بد ان هناك من يثير فضولهم التعرف على افضل كُتابنا. واتساءل، سيدي الرئيس اذا كان احد ما سألهم، قبل ان يقرر منع قراءة ابداعات دافيد غروسمان وعاموس عوز، التي ترجمت لعشرات اللغات، او منعهم من ان يشاهدوا مسرحيات حانوخ لفين ويهوشع سوبول التي تعرض بنجاح في ارجاء العالم. لماذا يمنع محب السينما المصري من متعة مشاهدة فيلم عيران كوليرين، “زيارة الفرقة الموسيقية” الذي امتدح جدا مصر وشعبها.
أسمع احيانا مفكرين مصريين يدعون الى منع “الغزو” الاسرائيلي للثقافة المصرية. وبالفعل، فان ثقافتكم مغروسة عميقا في التاريخ، وهي قوية ومستقرة من ان يتمكن أي انتاج ابداعي أجنبي من ان يمس بها. بوسعنا أن نتعلم من ثقافتكم، ونأمل في أن نتمكن من اثرائها قليلا، عظيم كُتاب مصر، نجيب محفوظ سئل ذات مرة عن رأيه في هذه المسألة. “هل تعتقدون بان الثقافة الاسرائيلية يمكنها أن تضر بالثقافة المصرية”، اجاب السائلين، “افضل لكم ان تموتوا”.
سيدي الرئيس، انظر حولك لترى الى أين تدهورت حارتنا. في ليبيا، في السودان، في سوريا، في العراق وفي سيناء، سيطر منطق الشيطان على مئات الاف الشبان، فهم يقتلون، يذبحون، يمسون بالممتلكات، يحطمون التماثيل العتيقة، يقتلون النفوس الرقيقة. جوابنا المحق لسافكي الدماء هؤلاء، اضافة الى الصراع العسكري ضدهم، يجب أن يتضمن تشجيع الثقافة والتعليم. اسرائيل ومصر تعرفان ان ارادتا كيف تتحدا ضد التهديد العسكرية. عليهما أن تتعاونا لتتصديا ايضا لعدو الجهل.
ليس في قولي دعوة لاهمال المسألة الفلسطينية. فكلكم ابناء الامة ذاتها، ودعم القاهرة للتطلعات الفلسطينية في حياة افضل هو امر مفهوم. ولكن لا بد انك انتبهت الى أن المقاطعة على التطبيع لم تغير ايجابا وضع الفلسطينيين. واذا تناولنا الفلسطينيين، فاني اذكرك بامور قالها لنا، نحن الصحافيين الاسرائيليين، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبل اسبوعين فقط. فقد قال: “لا توجد علاقات، ولكن توجد اتصالات”. هذه الاتصالات لا تتم فقط بين محافل الحكم في القدس وفي رام الله، بل وايضا بين تجار اسرائيليين وفلسطينيين، بين صحافيين من الطرفين، بين نشطاء سياسيين وكذا بين فنانين. الاتصالات بين صحافيين اسرائيليين ونشطاء سياسيين يجريها حتى شخوص في حركة حماس حتى في ساعات الطوارىء. واذا كانوا هم، الفلسطينيين، يوجدون في اتصال بنا (انطلاقا من رؤية مصلحتهم) فلماذا ترفضونه انتم، باسم المسألة الفلسطينية؟
احيانا يا سيدي الرئيس تصل هذه المقاطعة الى حد السخافة. قبل ست سنوات ثار احتجاج في القاهرة. تبين أن رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم نسق مع نظيره المصري زيارة لمنتخب مصري، بطل افريقيا الى مباراة ودية في شرقي القدس. وادعى المعارضون بان لاعبي الفريق المصري سيضطرون للعبور من حواجز اسرائيلية، فلماذا يمنح الاسرائيليون هذا الحق. وفي النهاية انهارت الفكرة. انا ورفاقي في اسرائيل لم نفهم كيف يستهدف هذا الاحتجاج المس بها نحن الاسرائيليين. فقد مس قبل الجميع بمحب كرة القدم الفلسطيني.
سخافة اخرى ولدتها المقاطعة هي التنديد الجماهيري بالناطقين بالعبرية عندكم. شباب وشابات استثمروا جهدا وعرقا في تعلم لغة جديدة وثقافة اخرى – ليس بالسرقة – بل في كلية افضل الجامعات. والى الذروة وصلت الامور مؤخرا عندما رفض قبول المعلمة نهال طه للعمل لاعترافها بانها خريجة دراسات العبرية. فلماذا تعاقب من تسعى الى نشر العلم في اوساط الجمهور؟
سيدي الرئيس، منذ سنتين ونصف السنة وانت تمسك بالخيوط وتقف على رأس الدولة العربية الاكبر في العالم. في هذه الفترة بدأت بسلسلة خطوات من النوع الذي يمتنع الزعماء عن اتخاذها. أعلنت حربا على الارهاب، رغم انها ولدت عنفا واسعا وثكل. لم تتردد في الوقوف امام كبار رجالات الازهر وتقول لهم ان شيئا ما تشوش في المجتمع الاسلامي، ولهذا فانه يحتاج الى اصلاح. وقفت للكفاح ضد الاخوان المسلمين، رغم أنه وقفت امامك منظمة دولي كثيرة الدعم والتمويل. وانت تنشغل ليل نهار في تحسين الوضع الاقتصادي لبلادك. هذه زعامة شجاعة تبعث على التقدير، تعمل من اجل شعبها وليس ضده.
لا اناشدك الان القيام ببادرة طيبة تجاه الاسرائيليين ولا بمبادرة خطيرة أو عالية القيمة. طلبي ان تقلل جدا شدة المقاطعة على الاتصال مع الاسرائيليين وهدفي هو ان تخرجنا معا من الصياغات الضعيفة للعالم القديم وتدمجنا في العالم الحديث. فازالة هذه المقاطعة ترمي الى منح الاجيال التالية في الطرفين تراث من التحدي والتجدد. هذا التراث يا سيدي، والتفاؤل سيولدان ابداعا انسانيا – لا اتصالات بعيدة عن العين بين جنرالات ودبلوماسيين.
معاريف 12/2/2016
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews