بوتين حوّل سوريا إلى ساحته الخاصة
إن جرد المواد الأساسية المتبقية في محيط مدينة حلب غير مشجع، حيث لن يتبقى الكاز لستين ألف عائلة في المقاطعات التي هي خارج السيطرة من قبل النظام من اجل تدفئة البيوت وتشغيل الافران. ومن المشكوك فيه أن تستطيع الحركات المدنية تغيير الوضع المتدهور في أعقاب القصف الجوي الكثيف لسلاح الجو الروسي، خطوط نقل المواد الغذائية والوقود والأدوية والسلاح من مناطق حلب «المحررة»، أي تلك التي تحت سيطرة المتمردين، وبين مصادر التزويد في تركيا، آخذة بالتناقص. في مدينة حلب نفسها هناك 350 ألف شخص تحت سيطرة المليشيات التي ستضطر إلى أن تقرر قريبا كيف ستستمر في ادارة المعارك ضد النظام الذي يفصل المدينة عن محيطها.
ما زال من السابق لأوانه القول إن حلب سقطت في أيدي النظام، حيث ما زالت هناك معارك ضارية تدور في المناطق البلدية، وليس واضحا إلى أي حد ستستمر روسيا في ضرب المناطق المكتظة، لكن الاستراتيجية المشتركة لروسيا وسوريا وإيران لا تترك مكانا للشك. روسيا لا تحارب من اجل الاسد ونظامه ولا من اجل أن تقطف إيران الثمار السياسية للانتصار في حال جاء. إذا كانت تقديرات رجال الاستخبارات في البداية، بما في ذلك في إسرائيل، أن روسيا تنوي مساعدة الاسد فقط في جبهات محدودة، وسارعوا إلى القول إن روسيا لا تنجح في احداث تحول بسبب الانجازات العسكرية القليلة للجيش السوري، فيبدو أن هذه التقديرات بحاجة إلى اعادة النظر. صحيح أن روسيا أحدثت تحولا عسكريا واستراتيجيا وليس فقط بسبب المساعدة العسكرية التي تمنحها للجيش السوري، بل ايضا لأن عملها في سوريا لا يسمح لأي قوة اخرى تقريبا ـ أمريكية أو تركية أو اوروبية ـ بالعمل خارج الاطار الذي تسمح به.
اضافة إلى ذلك تبدو روسيا وكأنها القوة الوحيدة القادرة على السيطرة على كل الدولة، وليس فقط النظام، أمام هذا الكم من المليشيات من اجل التوصل إلى توافق سياسي وايجاد بديل للنظام. لقد حولت سوريا إلى مشروعها الخاص، مشروعها هي فقط. والاحتكار الروسي يضع الولايات المتحدة واوروبا أمام حقيقة أن من يريد العمل في سوريا سياسيا أو عسكريا سيصطدم مع روسيا أو أن يعمل معها حسب قوانينها. لأن الولايات المتحدة لا تريد ولا ترغب في العمل ضد روسيا في سوريا. ولا تستطيع اقناع المعارضة بالحصول على موقف متفق عليه، وسوف تستمر في قضم اظافرها على ضوء التقدم الروسي.
والحل الروسي من وجهة نظر الولايات المتحدة وغيرها ليس سيئا إلى هذا الحد، لأن من يريد محاربة داعش يحتاج إلى سوريا مستقرة. والاسد هو الذي يستطيع ضمان ذلك. صحيح أن هذا الموقف فيه خدعة حيث أنه لا ضمانة أن سوريا «الجديدة» تحت الاسد ستوافق على محاربة داعش الذي يتعاون معها. ولكن ايضا إذا افترضنا أن روسيا والاسد سينهضان لمحاربة داعش، فان روسيا ستستمر في وضع قوانين اللعب.
في جميع الحالات، لن يكون في هذا شيء جديد. فقبل الحرب الاهلية ايضا كانت سوريا وإيران، وليس السعودية والولايات المتحدة، اللتان أمسكتا بلجام التأثير حول ما يحدث في سوريا. الامر الجديد هو أن تأثير روسيا ومكانتها سيتفوق على إيران التي استُبعدت إلى حد معين عن ساحة المعارك واتخاذ القرارات، خصوصا في كل ما يتعلق بالحوار السياسي. القيادة الإيرانية غير غافلة عن المطامح الروسية، لكن إيران لا يمكنها الآن تقديم الدعم والغطاء الجوي الذي تقدمه روسيا. في هذه المنافسة بين إيران وروسيا، من اللافت رؤية كيف أن وسائل الإعلام الإيرانية تتجاهل القصف الجوي الروسي في الايام الاخيرة، حيث يبدو وكأن القوة الوحيدة التي تحارب هي حرس الثورة وحزب الله وقوات سورية.
من الجهة الاخرى للشرق الاوسط أرسلت السعودية اشارات واضحة حول نيتها ارسال قوات برية للمحاربة في سوريا. ولكن رغم أن البنتاغون «بارك» الموقف السعودي، الذي يهدف كما هو معلن محاربة داعش، فانه لا يجب وقف النفس بسبب الموقف السعودي. فليس واضحا عدد الجنود الذي يتم الحديث عنه وما هي الاهداف ومن الذي سيقودهم (الحديث هو عن تحالف عربي)، وما إذا كانت الولايات المتحدة وتركيا ستوافقان على اعطاء مظلة جوية أم أن السعوديين سيستخدمون سلاح الجو الخاص بهم. باختصار، يبدو أن الحديث هو عن بالون هواء غير منفوخ بالكامل.
إن فشل هذا البالون له تأثير سيء إذا كان التحالف العربي ينوي الحفاظ على شيء من مكانة هذه الدول. حيث لم يثبت هذا التحالف نفسه في محاربة داعش في العراق، وكذلك الحرب في سوريا، لم تمنحه الميداليات. وعموما، يبدو أن الحرب ضد داعش تتقزم أكثر فأكثر على ضوء السيطرة الشبيهة بالشيشان من قبل فلادمير بوتين.
هآرتس 9/2/2016
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews