القروض الشخصية والدورة الاقتصادية
بلغ إجمالي القروض الشخصية على الخليجيين نحو 390 مليار دولار عام 2014، مرتفعةً بنسبة 10% عما كانت عليه العام 2013. وبينما سجلت البحرين أقل مستوى للقروض الاستهلاكية خليجياً بنحو 5.4 مليار دولار تمثل 2.6% من إجمالي القروض الاستهلاكية على الخليجيين، سجلت المملكة العربية السعودية أعلى مستوى للقروض الاستهلاكية، حيث بلغت 85 مليار دولار 40% من إجمالي القروض الاستهلاكية على الخليجيين، وبذلك تحوز القروض الشخصية على نحو 40% من محفظة تمويلات واستثمارات المصارف الخليجية.
وعلى الصعيد العالمي، يلاحظ أن القروض الشخصية باتت تتركز على القروض الاستهلاكية الفردية لتتجه غالباً إلى حاجات الفرد أكثر منها أن تكون إنتاجية. ونرى أن البنوك تشجع على عملية الإقراض أو شركات التقسيط الكل حسب سياسته وشروطه، وقد أصبحت الآن بلا حدود ولا يوجد لها سقف أعلى ويوجد لها سقف أدنى، لكن الاتجاه العالي بالنسبة للقروض أصبح مرتفعاً جداً، حتى أصبحت البنوك تكتسب أرباحها بنسبة 40٪ من هذه القروض.
أما على صعيد دول المنطقة، فقد أصبح من الظاهر لكثير من المتتبعين للسياسة الائتمانية للبنوك بأن هذه البنوك قد جعلت من بند القروض الاستهلاكية ركيزة أساسية في برنامجها التمويلي، وان مستوى نمو الأرباح في البنوك قد ازداد بشكل لافت للنظر نظرا للتنافس الشديد من قبل البنوك على منح هذه القروض لما لها من مزايا جمة أولها أن هذه القروض تقدم بفوائد مركبة وأن نسبة السداد فيها تصل إلى نحو 95% وأنها مضمونة براتب الموظف.
إن القروض الشخصية - أو مديونية الأفراد – تعتبر جزءاً مهما من الدورة الاقتصادية، فهي تشجع على الاستثمار في الآلات والمعدات والأجهزة ورأس المال المنتج، أو احتياجات استهلاكية للأفراد كالزواج وشراء الأثاث أي إن لها علاقة بكل من الاستثمار والاستهلاك وهما مكونا الناتج المحلي الاجمالي. وفي حالة ذهاب هذه القروض إلى وجهتها الإنتاجية، فإنه تكون هناك دورة اقتصادية مهمة تتمثل في زيادة رأس المال ورفع وتوسيع الطاقة الانتاجية وبالتالي تنشيط الحياة الاقتصادية ورفع معدلات النمو الاقتصادي. أما بالنسبة للاستهلاك، فإن وظيفته لا تقل أهمية عن الإنتاج كونه يخلق طلب على السلع والخدمات، وبغير ذلك تتوقف الدورة الإنتاجية وتتدني معدلات النمو الاقتصادي. ووظيفة التمويل الاستهلاكي هو تحفيز درجة وحجم وسعة هذا الطلب وبالتالي تحفيز الدورة الاقتصادية.
لذلك، فإن التمويل الاستهلاكي ضروري من وجهة النظر الاقتصادية، الا إن مساوئه تكمن في بلوغه مستويات مبالغ فيها بالنسبة للاقتصاد حيث يؤدي ذلك إلى سيولة فائضة وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم. كما أن الفرق بين تشجيع الطلب على هذا التمويل في الدول ذات القاعدة الإنتاجية المتنوعة وبين بلدان ذات طاقة إنتاجية محدودة مثل بلداننا الخليجية هو أن التمويل الاستهلاكي سوف يوجه لبضائع مستوردة وليست مصنوعة محليا، وبالتالي سوف يؤدي إلى ارتفاع حجم الواردات الاستهلاكية والتأثير السلبي على الميزان التجاري، كذلك التأثير على الصناعات الوطنية.
كما أن بلوغ التمويل الاستهلاكي مستويات مبالغاً فيها بالنسبة للبنوك يعني اعتماد هذه البنوك بصورة متزايدة على مصدر دخل رئيسي قد يعرضها لهزات وخيمة، كما يعني ابتعادها أكثر عن أنشطة التمويل الإنتاجي الأخرى وبالتالي إضعاف دورها الاستثماري والتنموي، كما يعني دخولها في منافسات محمومة تضر بمصلحة الاقتصاد ككل.
إلا انه من الصعب الحديث هنا عن كون التوسع في التمويل الاستهلاكي بالنسبة للبنوك الخليجية سوف يكون على حساب التمويل الانتاجي بنفس الدرجة التي يجري فيها الحديث عادة بالنسبة للبنوك في الدول النامية، كون البنوك الخليجية تمتلك سيولة كبيرة من جهة وقلة فرص التمويل الانتاجي من جهة أخرى، وهو سبب آخر يدفع البنوك للتركيز على التمويل الاستهلاكي.
أما بالنسبة للأفراد، فإن التمويل الاستهلاكي يعني الاستهلاك مقدما فائضاً أو جزءا من الدخل المستقبلي. وإذا كان هذا الجزء المستقطع في حجم معقولا وقابلا للتحمل، فإن دوره يكون مفيدا بل وضروريا كما سبق أن ذكرنا للفرد والاقتصاد. الا أن مخاطر التمويل الاستهلاكي تكمن في بلوغه مستويات مبالغا فيها أو توجيهه لمضاربات غير محمودة أو أن أعباءه بالنسبة للفرد تفوق طاقته مما ينجم عن تعثر في السداد ومشاكل اجتماعية واقتصادية وخيمة. ولعل أبرز مثال يبرز هو تمويل المضاربات في الأسهم.
إن قيمة القروض، أو التسهيلات المقدمة لشراء الأسهم تساوي عدة اضعاف من المبلغ المستثمر من قبل المقترض علاوة على رهن الأسهم المشتراة. وحقيقة، فإن هذه القروض ليست استثمارا بل استهلاكا حتى وإن سميت استثمارا تجاوزا. والخلل جاء من أن البنوك نفسها لا تراقب الاستثمار ونوعه، بل تترك قرارات المستثمر في يده، وهي في الغالب قرارات شخصية لا تعتني بأساسيات الاستثمار السليم وصحة توظيف المستثمر للأموال المقترضة، وأخطرها لجوء المستثمر إلى أسهم شركات ضعيفة، أو خاسرة للمضاربة يخسر بسببها كل شيء ويفلس.
وفي حالة الإقراض هذه، تكون البنوك في الغالب طرفا في المضاربة مع المستثمر، مع أن نظم البنوك وقواعدها تؤكد على الاستثمار الآمن حتى لا تكون خرابا عليها وعلى العملاء والاقتصاد ككل. كما أن نظمها لا تسمح بالمضاربة. كما أن ضخ سيول كبيرة في الأسواق مع محدودية الأسهم المعروضة يخلق حالة من الارتفاع السعري المبالغ فيه، والمضاربات المحمومة، مما يجعل تعرضها للانهيار والتقلبات السعرية الحادة أمرا قائما في أي وقت خصوصا مع ضعف البينة التشريعية والرقابية لأسواق الأسهم الخليجية وسيطرة نفر قليل على التداول مع وجود ثغرات لاستغلال معلومات داخلية في المضاربات.
لقد قامت مؤخرا العديد من البنوك المركزية ومؤسسات النقد في دول المنطقة بتأسيس ما يسمى بقاعدة المعلومات الموحدة للائتمان لكل عميل، حيث توضح القاعدة جميع المديونية بما في ذلك بطاقات الائتمان لكل مقترض، ووضعت سقفا أعلى للمديونية تتمثل في تحديد نسبة محددة من الراتب إلى مجموع المديونية. ويبدو أن هذا النظام يلاقي بعض التذمر وبالذات من قبل البنوك التي باتت تتقلص لديها عمليات التمويل الاستهلاكي.
(المصدر: اليوم )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews