سيناريو لموجة هزات نفطية
في مطلع عام 2006 تحدث الرئيس الأمريكي بوش عن تطلعات لخفض الاعتماد على استيراد النفط خاصة من منطقة الشرق الأوسط. وقتها كتبت مقالة طويلة من حلقتين تعليقا على ما قال. أحداث اليوم جعلتني أرى أن من المناسب إعادة نشر ما كتبته قبل عشر سنوات تقريبا مع اختصار بعض النقاط.
قد لا يعرف كثيرون أن حديث الرئيس الأمريكي قد سبقته مناقشات مستفيضة عن تأثير ما يسمى بموجة الهزات النفطية Oil shockwave. وسبقته محاولات لرسم سيناريو موجة هزات نفطية، يحاكي ما قد يحدث في الواقع.
الفكرة المستخلصة الأساسية من موجة الهزات النفطية أن أي تغير ملحوظ في العرض أو الطلب على النفط في أي مكان سيؤثر في الأسعار في كل مكان.
تحديات تواجه الدول المستهلكة، خاصة ما يسمى الدولة العظمى الوحيدة (الولايات المتحدة) لأنها تستهلك ربع إنتاج العالم من النفط، وأكثر ما تستهلكه مستورد. سياسات هذه الدولة العظمى الخارجية والعسكرية واقعة إلى حد كبير تحت تأثير إدمانها على النفط.
يفترض أو يتوقع السيناريو انخفاض إنتاج إحدى الدول المصدرة للنفط.
احتمال تعرض بعض منشآت النفط في العالم للتخريب. احتمال اختطاف ناقلات نفط تحمل ربما مئات الآلاف من البراميل، لنتخيل وقوع ذلك في النصف الأول من ديسمبر 2006.
هناك نوع من الثقة بالسعودية بتعويض قدر كبير من النقص في الإمدادات، لكن ماذا لو لم تتمكن المملكة فنيا من تأمين النقص بالكمية وفي الوقت المناسبين؟
هذا سيدفع أسعار النفط إلى الارتفاع أكثر فأكثر.
توقع السيناريو ارتفاع سعر برميل النفط من نحو 55 دولارا في أوائل ديسمبر 2006، إلى نحو 100 دولار في غضون عام أو عامين. وبالطبع سترتفع الأسعار وتكلفة الحياة داخل الدول المستوردة. وخوفا من موجة تضخمية كبيرة، قد تلجأ الدول الصناعية إلى تشديد سياساتها النقدية، يتبع ذلك تباطؤ في النمو الاقتصادي. رغم ذلك فإنه ليس من السهل خفض استهلاك النفط بصورة ملموسة وسريعة، لأن العالم معتمد على النفط.
أظهرت البيانات أن الطلب على النفط ارتفع بنحو مليوني برميل يوميا لعام 2006 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وفقا للظروف الحالية، تشير تنبؤات إلى أن الطلب على النفط سيرتفع من 80 مليون برميل يوميا إلى نحو 125 مليون برميل يوميا بعد عشرين عاما من الآن، وأن إنتاج دول الأوبك سيرتفع من نحو 24 مليون برميل يوميا الآن إلى نحو 40 مليون برميل يوميا بعد عشرين سنة من الآن.
ظروف إنتاج النفط حرجة إذا لا توجد قدرة على زيادة الإنتاج بصورة سريعة في حال وجود اضطرابات كبيرة في القدر المعروض من النفط. المخزون الاستراتيجي لأمريكا ودول أخرى يفيد في توفير حماية لفترة قصيرة لا تزيد على أسابيع قليلة في حال حصول اضطرابات كبيرة في إمدادات النفط، ولكنه لا يفيد كثيرا عندما تستمر الاضطرابات لفترة طويلة.
في الوقت الذي يفكر فيه الرئيس الأمريكي في ضخ كمية من الاحتياطي الاستراتيجي إلى السوق لتهدئة الأسعار، تصل أنباء إلى قرب اتفاق كل من إيران والصين تقوم إيران بموجبه بتزويد الصين بكميات نفط إضافية مقابل حصولها على دعم صيني في مجلس الأمن لبرنامجها النووي.
احتمال حدوث ما سبق يدفع الدول المستهلكة (الصناعية) إلى العمل على تطوير استراتيجيات طاقة، يرى بعض المحللين أنها قد تنتج في غضون سنوات قليلة مشهدا آخر محصلته انخفاض أسعار النفط، وهذا الانخفاض قد يصل إلى الثلاثينات من الدولارات للبرميل الواحد.
ما الذي عملته وتعمله الدول الصناعية المستهلكة؟
الآن إليك عزيزي القارئ أمثلة:
1 ـ نشرت بعض وسائل الإعلام في أواخر شهر يونيو من عام 2005 الماضي، أخبار إقرار الكونجرس الأمريكي مشروعا شاملا يكلف عشرات المليارات من الدولارات لإعادة هيكلة قطاع الطاقة الأمريكي، وتقليص اعتماد أمريكا على النفط العربي في قانون غير مسبوق.
2 ـ ناقش مسؤولون نفطيون من أمريكا والنرويج وروسيا والاتحاد الأوروبي مسألة تقليل الاعتماد الغربي على مصادر الطاقة من الشرق الأوسط، وذلك خلال اجتماع عقد في النرويج يومي 7 و8 يوليو من العام الماضي 2015.
3 ـ تسعى كندا إلى تطوير إنتاجها من النفط الرملي (يتطلب معالجة أكثر من التي يتطلبها النفط الخام العادي) الذي يشكل في الوقت الحاضر نحو نصف إنتاج كندا من النفط الخام.
4 ـ تعمل شركات صناعة السيارات الأمريكية الكبرى الثلاث كل على حدة لابتكار نموذج لخلية وقود هيدروجيني، لكن حتى الآن لا تزال الأسعار مرتفعة جدا للبدء في بيعها تجاريا.
الرئيس الأمريكي في حديثه الذي بدأت به هذه المقالة ذكر أنه عندما تنتهي أمريكا من إعداد الأبحاث اللازمة فستكون على طريق ما يسميه عدم التبعية للشرق الأوسط في واردات النفط، بل الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط.
سياسات الدول المستهلكة الصناعية في تطوير مصادر الطاقة تتطلب توجهات متعارضة فيما يظهر، فمن جهة ينبغي ألا تنخفض أسعار النفط كثيرا، حتى تستمر مساعي التطوير (هناك علاقة طردية بين مساعي التطوير وأسعار النفط)، وحتى لا تكون هناك زيادة حادة في الطلب عليه، لكن الأسعار المرتفعة ومساعي التطوير تحفزان على خفض الطلب وزيادة الإنتاج، ما يؤدي غالبا إلى ظهور فائض في عرض النفط، وهذا الفائض يدفع أسعار النفط إلى الهبوط.
هل تنخفض أسعار النفط انخفاضا كبيرا بعد سنوات قليلة؟ احتمال ممكن الوقوع جدا، ووقوعه سيؤثر حتما في الميزانية وفي سوقي الأسهم والعقار، وإن غدا لناظره لقريب.
(المصدر: الاقتصادية 2016-01-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews