التطويق العمودي لأبو مازن
إحدى وسائل الحرب الجريئة هي التطويق العمودي. الحديث يدور عن الهجوم من فوق رأس الجيوش عن طريق الجو باتجاه الجبهة الداخلية للعدو. في حالة أبو مازن كان لقاؤه مع الصحافيين الإسرائيليين في مكتبه في رام الله في الاسبوع الماضي، بمثابة محاولة للقيام بـ «التطويق العمودي» من اجل الهجوم واقناع الأذن الإسرائيلية والغربية بأنه «صدّيق» والتملص من الاتصال المباشر مع الشريك الإسرائيلي.
كان هذا تمرينا فلسطينيا معروفا يتجاهل دعوات رئيس الحكومة الإسرائيلية لأبو مازن، في دافوس ايضا في الآونة الاخيرة، من اجل أن يعود إلى المفاوضات المباشرة معه. وكل ذلك بهدف تمكين نفسه من الاستمرار في تحقيق الانجازات الدولية بشكل أحادي الجانب وتصوير حكومة إسرائيل على أنها هي التي ترفض السلام. ما يُخيب الآمال هو أن الرئيس تحدث مرة اخرى بلسان مزدوج مثل آلهة الكذب اليونانية «هوركان مدلفي»: إنه ضد الإرهاب لكنه يؤيد علنا «المقاومة الشعبية» ويترك عن قصد تفسير ذلك للمخربين الشباب في الشوارع، الحجر، السكين، الطعن والبندقية ـ لا تقم بمحو ما هو زائد. صحيح أن أبو مازن مع حل الدولتين لكنه يرفض الاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي بزعم أنهم يطلبون ذلك من الفلسطينيين فقط ولم يطلبوه من الاردن أو مصر. صحيح أنه تنازل بشكل شخصي عن حق العودة، لكن حسب زعمه ليست له صلاحية فعل ذلك باسم الفلسطينيين في البلاد وفي الشتات. ما هي قيمة الزعيم بدون صلاحية كهذه؟ كيف نشرح للزعيم الفلسطيني الذي ولد أمس أن الشعب اليهودي العتيق الذي عمره ألفي عام لا يحتاج إلى اعترافه، بل هو يحتاج إلى إبعاده من خلال الاعتراف بإسرائيل اليهودية، عن حلمه باغراقنا ديمغرافيا بواسطة «مؤامرة حق العودة».
التناقضات صارخة وقد بدأ العالم يفهم: أبو مازن يزعم أن إسرائيل «عنصرية». لكنه يصمم على «اعادة اللاجئين اليها». إنه ضد التحريض لكن نظامه، بما في ذلك وسائل الإعلام والجهاز الديني والتعليمي، بالضبط مثل رجل الاستخبارات توفيق الطيراوي، يستمرون في المطالبة بتدميرنا واعلاء شأن «الشهداء» ومكافأة عائلاتهم والقول لليهود والعرب إن الهدف هو «تحرير كل فلسطين». الآن يريد أبو مازن اطلاق سراح أسرى آخرين من اجل الانضمام مثل أسلافهم إلى حفل الإرهاب.
الرئيس أبو مازن يحذر من الحرب الدينية، لكنه يؤججها في موضوع «تدنيس الأقصى ومؤامرة تدميره من قبل الإسرائيليين»، وهو يطالب بأن تكون القدس عاصمته ـ كمبرر لتصعيد المواجهة الدينية معنا. من يستطيع الاثبات للرئيس أن مطالبه لا أساس لها وأن المدن الإسلامية المقدسة هي مكة والمدينة ـ مع ذلك هما ليستا عاصمة للسعودية. لذلك لا يحق له المطالبة بالقدس من خلال رافعة المسجد الاقصى. لم تكن القدس أبدا عاصمة لأي كيان سياسي غير إسرائيل. لذلك فان المطالبة بأن تكون عاصمة لدولة «فلسطين» التي لم تكن أبدا، هي أمر لا أساس له.
وبالمعنى العملي أكثر، فان التحرك من مكان إلى مكان للرئيس هو الذي يحرك الإرهاب والتحريض من الداخل والتأثير في الشبكات الاجتماعية وأخذ الالهام من سكاكين داعش. بناء على الانجازات المرحلية التي حققها أمام إسرائيل على المستوى الدولي، فان الرئيس أبو مازن يتحرك بين النشوة وبين اليأس النابع من اندثار الموضوع الفلسطيني. فهو يفهم أن العالم منشغل بموضوع اللاجئين وتهديد داعش والدول العربية تناضل من اجل بقائها وهي تتقرب سرا من إسرائيل. إنه يفهم على المستوى العملي ايضا أنه حان الوقت للحوار الحقيقي. فإسرائيل لا تخاف من تهديده بحل السلطة الفلسطينية أو على الاقل من جولة اخرى من العنف.
إن الفهم بأن القصة الفلسطينية توجد على هامش الدراما العالمية يؤدي إلى استنتاج أن اليائس الحقيقي هو أبو مازن الذي هو مهدد داخليا، وليس من يحمل السكاكين. الرئيس الذي يتلوى يخاف من المعارضة الإسلامية وهو لا يستجيب لدعوة نتنياهو للقاء المباشر وبدء المفاوضات. لكنه يرسل لنا رسائل منغلقة من اجل الابقاء على شكل السلام. وهذا ما يسميه العرب «حديث الطرشان».
(المصدر: إسرائيل اليوم 2016-01-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews