حرب النفط .. وتوازن السوق
لم تشهد أسواق النفط هذا الانهيار منذ أكثر من 12 عاما، أي منذ بدء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بعد أن هوت أسعار خام برنت لتصل إلى حاجز أقل من 30 دولارا للبرميل، في حين تراجع سعر سلة أوبك إلى 25 دولاراً للبرميل، خاصة أن المعروض العالمي من النفط الذي فاق 2.1 مليون برميل يوميا خلال عام 2014، بسبب ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة بـ1.6 مليون برميل يومياً، وهذه أول مرة يزيد فيها بلد إنتاجه النفطي بأكثر من مليون برميل في اليوم، ومما يزيد الأزمة تعقيدا بشكل أو بآخر الإعلان عن رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي، ومن ثم عودة النفط الإيراني بمعدل 500 ألف برميل إضافي في السوق، وتمسك أوبك التي تنتج ثلثي النفط العالمي بالمحافظة على سقف الإنتاج الحالي بمعدلات إنتاج عالية للمحافظة على الحصص السوقية للتصدي للمنتجين غير التقليديين من أصحاب النفط الصخري، وكذلك في مواجهة دخول إيران التي تبحث عن حصتها في السوق التي حرمت منها طوال سنوات العقوبات، إلى جانب عوامل أخرى تسببت في هذا الهبوط الحاد إلى المستويات القياسية أهمها:
ضعف الطلب لأكثر من عام ونصف، وتخمة المعروض حيث تفيض أسواق النفط بالمعروض منذ أكثر من عام ونصف العام وهو عمر بدء حرب النفط بين المنتجين التقليديين والمنتجين الجدد، الأمر الذي يهدد إمكانية إعادة التوازن السريع إلى سوق النفط، مما يفتح الباب أمام تراجعات مستقبلية للأسعار في ظل الظروف القائمة، التي يصعب معها ارتفاع مستوى الأسعار ليحقق ولو إلى درجة قريبة من نقطة التعادل المناسبة لكل الأطراف من المنتجين التقليديين والصخريين والمستهلكين لأنها تشكل بذلك معادلة صعبة، بعد زيادة إنتاج النفط الصخري وسماح الكونجرس الأمريكي للشركات الأمريكية بتصدير النفط للخارج، لأن هذه النقطة هي الأمل الذي يتطلع إليه الجميع للخروج من أزمة الأسعار وحرب النفط القائمة حاليا والتي يمكن أن تكسر عظام الجميع، مما يجعل الاقتصاد العالمي يئن تحت وطأة التباطؤ وتراجع النمو إلى فترة أطول، وهذه العوامل تلقي بتبعاتها وظلالها السلبية على التجارة والاقتصاد في العديد من دول العالم، مع استمرار ضعف النمو في الاقتصادات الصاعدة نتيجة انخفاض الطلب على صادراتها خصوصا الصين الذي قاد سريعا إلى هبوط وارداتها من السلع الأساسية والنفط تحديدا، وهي مؤشرات خطيرة على أسواق النفط لأن زيادة المعروض سينعكس حتما على الأسعار العالمية، وسيكون المتضرر الأكبر من ذلك هو الدول التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل، وبالتالي ستشهد سوق النفط تراجعات في الأسعار في ظل استمرار الظروف الحالية، لأن الاقتصاد العالمي سيقبل على أزمة اقتصادية عالمية، ولا يوجد أدنى شك أن حرب النفط ستكون هي المحور الرئيسي لهذه الأزمة، ولاسيَّما مع اشتعال الصراع داخل أسواق النفط وزيادة المنافسة بين المنتجين، التي يدعمها بقوة بعض العوامل السياسية الحاضرة بقوة في المشهد القائم، التي تعتمد على حسابات خاصة بالعلاقات بين بعض الدول،على الرغم من أن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع المالية للدول المنتجة للنفط، التي بدأت تتحول من تحقيق فوائد وعوائد مرتفعة إلى أن تسجل لأول مرة عجزا في ميزانيتها، سينعكس حتما على أنماط الحياة الاجتماعية وحياة الرفاهية التي تعودت عليها بعض المجتمعات، والخطير أن يستمر ذلك لعدة سنوات قادمة، إذا لم تسع دول الأوبك في وقت عاجل إلى إنهاء حرب الأسعار بتخفيض الإنتاج، سعيا إلى العودة إلى أسعار تناسب المنتجين الذين فقدوا حتى القدرة على زيادة الاستثمارات في تطوير حقول النفط التي سوف تتأثر سلبا لعدة سنوات قادمة، حيث تفقد قدرتها الإنتاجية ومن ثم لا يمكنها مواجهة زيادة الطلب على المدى الطويل إلا بتوسيع طاقتها الإنتاجية، ولاسيَّما أن الدول النفطية قد خسرت نحو 500 مليار دولار في حرب الأسعار خلال عام ونصف العام فقط، والمنتجون الأصغر في أوبك هم الأكثر تضررا، وإذا لم يتم تدارك الأزمة بسرعة، فقد تتفاقم الأوضاع إلى حدود لا يمكن التنبؤ بنتائجها، وفضلا عن أنها قد تتسبب في فتح أبواب جديدة للصراع تجر العالم إلى مزيد من الأزمات والانتكاسات.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-01-20)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews