تحديات أمام سنغافورة الذكية
مساحة هذا البلد (سنغافورة) 270 ميل مربع فقط، أو نحو نصف حجم لوس أنجلوس في كاليفورنيا. كثافة سكانها نحو5.5 مليون نسمة أقل بقليل من برشلونة في إسبانيا، وتقريبا ليس لها أي موارد طبيعية. على الرغم من هذه التحديات، استطاعت سنغافورة في بضعة عقود فقط التحول من مستوطنة جزيرة خاملة إلى واحدة من الدول الأكثر نموا في آسيا، إن لم يكن في العالم. واليوم سنغافورة تسعى لتصبح أول دولة ذكية ومستدامة.
تأخذ سنغافورة مفهوم المدينة الذكية إلى مستوى أوسع وتطبقه في جميع أنحاء البلاد. في الواقع، ستكون سنغافورة محط أنظار العالم أجمع إذ كيف ستصبح أول دولة ذكية. ولأسباب متعددة، فإن الجزيرة لديها القدرة على أن تصبح نموذجا للجهود الكبيرة الأخرى في جميع أنحاء العالم.
حجم سنغافورة الصغير وجغرافيتها المدمجة يجعلان من السهل إطلاق، وتنظيم، وإنفاذ مشروع المدينة الذكية بعيدة المدى. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة فدرالية للغاية ولديها الإرادة السياسية والسلطة لتنفيذ خططها لانشاء الدولة الذكية. وعندها المستوى التعليمي العالي للسكان، مع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بنسبة 96.7 في المائة في عام 2014. ووفرة رأس المال البشري، مع معدل المشاركة في القوى العاملة بنسبة 67 في المائة في عام 2014.
تعتبر سنغافورة قوة اقتصادية، فهي مصنفة حسب البنك الدولي من الدول ذات الدخل المرتفع، وكان الناتج المحلي الإجمالي في سنغافورة 280 مليار دولار في عام 2014، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو قوي سنوي مركب قدره 3.4 في المائة خلال عام 2030. والناتج المحلي الإجمالي للفرد يبلغ 53.5 ألف دولار تقريبا، أقل قليلا من مثيله في الولايات المتحدة 58.3 ألف دولار.
رغم كل الصعاب، هذه الدولة الصغيرة تمتلك موارد رأس المال ليس فقط لتشغيل مشاريع رائدة طموحة، ولكن أيضا لتوسيع نطاقها على الصعيد الوطني. وما هو أكثر من ذلك، أن سبق لسنغافورة القيام باستثمارات استراتيجية في البنية التحتية بتكنولوجيا متقدمة، سواء السلكية واللاسلكية. وتم تقييم هذا البلد بالأكثر توصيلا على مستوى العالم في آسيا وثالث الأكثر تكاملا في العالم، وفقا لمؤشر الترابط العالمي (جي سي آي) 2014.
ومع هذا تواجه سنغافورة المشكلات التي لا يمكن حلها بالطرق التقليدية، الأمر الذي يضعها في حرج أمام تقديم سبب مقنع لمزيد من مبادراتها لتحقيق الدولة الذكية. على سبيل المثال، لا يوجد لدى سنغافورة مكان لبناء طرق إضافية، ولذا يجب وضع نظام نقل أكثر كفاءة لتخفيف الازدحام المروري. ومع الموارد الطبيعية المحدودة جدا، يجب أن تركز على الاستدامة والابتكار لتبقى مكتفية ذاتيا. وعلاوة على ذلك، تزايد الطلب على المياه المنزلية والتجارية يجبر سنغافورة لتحسين إدارة المياه، مع هدف خفض نصيب الفرد من استهلاك المياه المنزلي من 153 لترا يوميا حاليا إلى 140 لترا بحلول عام 2030.
يتم توليد ما يقرب من 90 في المائة من الكهرباء في سنغافورة من الغاز الطبيعي، الذي يستورد عبر خط أنابيب من ماليزيا وإندونيسيا، أو عن طريق سفن الشحن من غينيا الاستوائية وترينيداد. في الواقع، تخطط الحكومة لزيادة قدرة محطة الغاز الطبيعي المسال من 6 إلى 11 مليون طن سنويا بحلول عام 2018، مع كل الحرص والسعي في اتجاه اكتساب الاكتفاء الذاتي.
هناك تحد كبير في أي مبادرة تخص المدن الذكية وهي التكامل بين جميع الخدمات والإدارات. وكثيرا ما تتفرق مشاريع المدن الذكية بين الجهات الحكومية التي تعمل بشكل مستقل، وذلك يجعل من الصعب تنسيق مسؤوليات التخطيط والاستثمار بين مختلف أصحاب المسؤولية. وعلاوة على ذلك، يمكن للاعتبارات السياسية أن تحرف الإدارات نحو تحقيق نتائج ملموسة على المدى القصير، بدلا من ضخ استثمارات في مشاريع طويلة الأجل من شأنها أن تساعد على ضمان النجاح في المستقبل.
وتأمل سنغافورة في إدارة هذه المخاطر من خلال وضع إطار عملي لجميع المشاركين والعمل من أجل تحقيق الأهداف طويلة الأجل بطريقة موحدة. ولتحقيق رؤيتها، فقد أدخلت سنغافورة منهاج الدولة الذكية (SNP)، الذي سيقوم ببناء المكونات الرئيسية لبرنامج الدولة الذكية.
ويتم تنظيم هذا المنهاج حول ثلاثة مبادئ هي: الاتصال، الجمع، والفهم. وتركز البلاد على بناء البنية التحتية لاتصالات آمنة ومنتشرة سلكية ولاسلكية، بما في ذلك برنامج لشبكة غير متجانسة لتمكين "كل فرد، كل شيء، في كل مكان، وفي كل وقت" على الاتصال. وقد التزمت سنغافورة أيضا بنشر أجهزة استشعار موحدة في جميع الإدارات الحكومية لجمع البيانات من أجل التحليل والتخطيط، ووضع الإشارات الفنية ضمن شبكة لتنظيم الاتصال وضمان قابلية التشغيل البيني. وسوف تستخدم نظام تشغيل دولة واحدة ذكية لتسهيل معالجة البيانات، والتحليلات، ومشاركتها عبر الجهات الحكومية.
(المصدر: الاقتصادية 2016-01-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews