ملفات مفقودة في ظل الأزمات الاقتصادية ” الجمعيات التعاونية “
وإذ نتناول الجمعيات التعاونية ونخص بها مساهمة أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة من ذكور وإناث بشكل فردي أو حتى أسر كمساهمين وشركاء رئيسيين في تأسيسها لأنهم المستهدفون منها بشكل خاص، فإننا لا بد كذلك ان نشرك معهم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من الراغبين في الاستثمار وبشكل يحقق العدالة في الشراكة الوطنية بين أبناء هذا الوطن”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد نصف عقد تقريبا على الأوامر والتوجيهات السامية الكريمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – للجهات المسؤولة في الحكومة بإعداد دراسة حول إمكانية إنشاء جمعيات تعاونية في إطار تعزيز المستوى المعيشي للمواطنين بتاريخ 26/2/2011م وما زالت مفردة “القطاع التعاوني” غائبة أو مغيبة عن قاموس المفردات الاقتصادية الوطنية الرديفة لكل من القطاعين العام والخاص في سلطنة عمان، والتي أجد أنها اليوم وفي ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة يجب ان تطفو على سطح الاهتمام وإعادة برمجة أولويات الحكومة وعلى وجه السرعة كمستوى رئيسي ثالث وتضمن كمبدأ من المبادئ الاقتصادية الوطنية في المادة (11) من النظام الأساسي للدولة.
فبالرغم من ان هذا القطاع ليس بالقطاع الجديد دوليا ولا إقليميًّا، وبالتالي فإنه لا يحتاج لكل هذا الوقت والجهد لدراسته، خصوصا ان هذا القطاع هو قطاع قائم وناجح إلى حد كبير في العديد من دول الجوار الخليجي والتي نتشارك معها الكثير من المقومات والجوانب الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية، وبالتالي إمكانية الاستفادة من تجاربها وخبراتها في هذا القطاع الاقتصادي، وهو ما سيمنحنا قدرة اكبر على تقليص وقت وجهد وعناء التوسع في تلك الدراسة التي لا نعلم حتى اللحظة الراهنة محلها من الإعراب الوطني، وأين وصلت، ولماذا تأخرت كل هذا الوقت؟!
والمتتبع لأهداف تلك الجمعيات التعاونية الاستهلاكية يجد أنها قد حققت الكثير من الفوائد والعوائد الحكومية والشعبية على الدول التي تبنتها، فعلى المستوى الحكومي على سبيل المثال لا الحصر، كان لتلك الجمعيات التعاونية الاستهلاكية دور كبير في توسيع دائرة الأنشطة الاقتصادية غير الحكومية والتي هي في حد ذاتها هدف حكومي تسعى لتحقيقه ونشره أغلب الحكومات الواعية والمستنيرة للتخفيف من أعباء وضغوط القطاع العام في تقديم الخدمات الاستهلاكية المدعومة للمواطنين، وبالتالي يمكنها ان تحل على المدى المتوسط محل الدولة في ملكية الأصول الخاضعة للخصخصة.
هذا بالإضافة إلى ان الحكومة في وقتها لن تضطر إلى إنفاق قسم مهم من عوائد النفط ومشتقاته على الأنشطة التنفيذية، في وقت كان يجب ان يخصص لمجال الاستثمارات الأساسية للدولة، كما أنها تدعم وتطور أنشطة القطاعات غير الرسمية في الاقتصاد الوطني، وستقلص من تولي الحكومة المباشر للعديد من شؤون المواطنين وخصوصا المعيشي منها، وهو ما سيفعل دور الشعب في المجال الاقتصادي وسيساهم في الحد من مشكلة كبيرة تعاني منها اغلب دول العالم المستهلك وهي مشكلة هدر الثروات الوطنية كنتاج لعدم توفر القدر الكافي من الإحساس بامتلاك الأموال العامة لدى المواطنين، حيث ستحفزهم شراكتهم في تلك المؤسسات على الحفاظ عليها والمساهمة في تفعيل دورها الوطني، كون ذلك سيرفع من الحس الوطني وشعور أبناء الوطن بان أموال البلاد هي ملك لهم وهي جزء من أموالهم الخاصة، وبالتالي سيبدون حرصا اكبر أثناء الانتفاع بها، كما سيحافظون عليها بشكل أفضل.
أما عوائد تلك الجمعيات الاستهلاكية على المستوى الشعبي فهي كثيرة جدا، وتتداخل مع الأهداف الرسمية في بعضها، ويصب نتاجها في نهاية المطاف في المورد الوطني بوجه عام، ومن أهمها: توفير البيئة المناسبة لنمو وازدهار الاستثمارات المتوسطة والصغيرة وخصوصا لذوي الدخول المحدودة او ما دون ذلك، وهي فئة تعاني كثيرا في هذا الوقت، كما تعتبر أداة جيدة وفاعلة لمواجهة مشكلة الباحثين عن عمل والحد من ارتفاع الأسعار وجشع التجار وحالات الاحتكار، كما تعد تلك الجمعيات واحدة من أهم مرتكزات المجتمع المدني ومقدماته وأسسه العامة والذي يتمثل بالمشاركة الجماهيرية والحضور الفاعل للشعب في مختلف المجالات.
وإذ نتناول الجمعيات التعاونية ونخص بها مساهمة أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة من ذكور وإناث بشكل فردي ـو حتى اسر كمساهمين وشركاء رئيسيين في تأسيسها لأنهم المستهدفون منها بشكل خاص، فإننا لا بد كذلك ان نشرك معهم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من الراغبين في الاستثمار وبشكل يحقق العدالة في الشراكة الوطنية بين أبناء هذا الوطن، وبطريقة تحفظ للجميع حقه في العوائد والفوائد المادية، حينها سيشعر كل مواطن بأنه شريك في الحقوق بمقدار رأس المال الذي ساهم به.
أما فيما يتصل بالدور الذي يفترض ان تلعبه الحكومة في هذا المجال أو الذي يمكنها ان تضطلع به فلا بد من القول (بأنه من الخطأ ان تتصدى الحكومة لإدارة المؤسسات التعاونية وتتولى شؤونها، فهي ليست بمثابة السيد المالك للمؤسسات، وإنما يقتصر دورها على إعداد الأرضية التي تتيح للمواطنين ان يصبحوا فيما بعد مالكين لتلك المؤسسات ولرأس المال الخاص بها، ولا سيما الطبقات المتوسطة والأدنى منها)، وبما ان هذا القطاع من القطاعات الحيوية والتي ستشكل نقلة نوعية في مستقبل الاقتصاد الوطني في حال تم إقرار البدء في التعاطي معه على ارض الواقع، وبما انه استثمار سيحتاج إلى دعم رسمي حتى يستطيع القائمون عليه من إدارته والاستقلال به، فإننا نقترح التالي:
ـ الإسراع في إعداد قانون وطني للجمعيات التعاونية “الاستهلاكية” يعتمد في أساسه على تشجيع الاستثمار في ذلك القطاع وخصوصا من قبل أصحاب الدخل المتوسط والأقل من ذلك، ويحفظ لمالكيه وللمستثمرين حقهم الوطني في العائدات والأرباح، ويحفظ لهم حقوقهم من التلاعب او الاختلاس وغير ذلك.
ـ ضرورة الرقابة الوطنية غير المباشرة من قبل الحكومة على ذلك القطاع الحيوي لكونه قطاعا يؤثر في الاستقرار الوطني ويدخل في صلب اقتصاد البلدأ ونؤيد ان تكون تلك الرقابة من مؤسسة تتشكل من مجلس الشورى وحماية المستهلك والمؤسسات الوطنية والمدنية ذات الصلة.
ان تساهم الحكومة برأس مال مبدئي في دعم المستثمرين القائمين على إنشاء ذلك المشروع التعاوني، على ان تعتبر تلك المساهمة الحكومية قرضا يسترجع دون فوائد.
ان يقتصر الدعم الوطني المباشر خصوصا في الفترة التي تسبق قدرة المستثمرين في ذلك المشروع على الاستقلال في إدارة مواردها إداريا وماليا على التدريب والتأهيل الإداري والمالي وتقديم الاستشارة والتوجيه.
الترويج والتسويق الإعلامي لتلك المؤسسات الاستهلاكية، مع ضرورة إعداد موقع خاص على شبكة المعلومات يكون مرتكزا لعملية الإنتاج والتسويق والتواصل مع تلك المؤسسات التعاونية في مختلف أرجاء السلطنة.
في نهاية المطاف يمكننا التأكيد على انه سيكون للقطاع التعاوني في حال تم تفعيله وإقراره على ارض الواقع وتحديدا الجمعيات الاستهلاكية في مختلف أرجاء أرضنا الغالية دور كبير ومهم جدا في تعزيز الأمن الوطني بوجه عام والأمن الإنساني بمختلف فروعه وتوجهاته على وجه الخصوص، وتحديدا في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، ونشير تحديدا إلى انه سيساهم بشكل كبير وواسع في توفير فرص عمل للباحثين عنها من أبناء الوطن في مختلف محافظات السلطنة، وسيدعم دخل الفرد وخصوصا أصحاب الدخل المتوسط وما دون ذلك، وسيسهم في الحد من غلاء الأسعار وشجع التجار والمحتكرين للسلع الاستهلاكية، وسيزيد من مساهمة المواطن في العمل الاجتماعي الوطني وإحساسه بمشاركة الحكومة في الملكية الوطنية، وسيخفف من انعكاسات الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع على المواطن، وهي أشياء ستزيد من ثقة المواطن ورضاه في توجهات الحكومة وتعزز من ثقته بها، وهو أمر مهم للغاية لدعم استقرار وأمن الوطن والمواطن.
* حفظ الله عمان وقيادتها وشعبها، وبارك ثرواتها وأرزاقها، وجمع أبناءها على حبها والتضحية لأجلها، اللهم آمين…
(المصدر: الوطن العمانية 2016-01-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews