استراتيجية جديدة لمرحلة ما بعد انخفاض أسعار النفط
بات من الواضح الآن أن الأزمة التي عصفت بسوق النفط العالمية غدت أكبر بكثير من كل التوقعات السابقة، وأن ضخامة فائض المعروض النفطي في الأسواق لم تعد تسمح بأي عودة قريبة للأسعار إلى ما فوق 40 دولارا للبرميل، كما أن عودة إيران للبيع المباشر في الأسواق وبكميات أكبر سوف تزيد الطين بلة وقد تصل بسعر الأوبك إلى مستوى 20 دولارا للبرميل أو أقل في غضون أسابيع قليلة. الجدير بالذكر أن سعر الأوبك (الذي هو عبارة عن متوسط سلة من أسعار خامات الدول الأعضاء) قد هبط مع نهاية الأسبوع الماضي إلى مستوى 25 دولارا للبرميل. وهذا المستوى الأخير يقل عن السعر المعتمد في الموازنة العامة للدولة لعام 2016 بنحو 23 دولارا للبرميل، ومن ثم فإنه بافتراض استمرار السعر في المتوسط عند هذا المستوى فإن الإيرادات العامة ستنخفض إلى أقل من مائة مليار ريال، ويرتفع عجز الموازنة المقدر إلى أكثر من 100 مليار ريال.
الجدير بالذكر أن سيناريو حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط كان متوقعا في عام 2003 بعد احتلال العراق، على خلفية حدوث زيادة كبيرة في إنتاجه من النفط، وهو ما لم يتحقق في حينه بسبب المقاومة الشرسة للاحتلال، وتأزم الأمر بعد ذلك بتوقف الإنتاج الليبي عام 2011. ولكن إنتاج العراق قد تزايد بشكل مضطرد منذ العام 2014، فارتفع إجمالي إنتاج الدول الأعضاء إلى أكثر من 31.6 مليون برميل يوميا، ومن المنتظر أن يتجاوز مستوى 32 مليون برميل هذا الشهر بالزيادة المتوقعة من الإنتاج الإيراني.
هذه الصورة المتشائمة عن وضع سوق النفط العالمي في عام 2016، تهدف إلى التذكير بأننا في منطقة الخليج نمر بمنعطف تاريخي مهم لم يسبق له مثيل، وأن ضخامة الالتزامات المالية والتي تتمثل في اعتماد ما قيمته 202 مليار ريال للإنفاق العام في قطر هذه السنة يزيد من عمق الأزمة. وإذا استمر هذا الوضع لعامين أو ثلاثة -لا قدر الله- فإنه سيضاعف الدين العام من ناحية، ويقلص حجم استثمارات الصناديق السيادية من ناحية أخرى. وفي مواجهة ذلك، نتوقع أن يكون رد الفعل المنتظر يما يتناسب مع عِظَم التحديات. وقد كان حضرة صاحب السمو الأمير المفدى سبَّاقا في هذا المجال عندما شدد في خطابه أمام مجلس الشورى في بداية نوفمبر الماضي على أهمية التعامل بحزم أمام المعطيات الجديدة. ومن هنا أرى أن المرحلة الراهنة تستدعي تغييرا في الاستراتيجية ونمط التفكير يكون عنوانه "قطر ما بعد انخفاض أسعار النفط".
الجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون - ومنها قطر- قد اتخذت في الشهور الماضية بعض الخطوات لمعالجة تراجع أسعار النفط من قبيل زيادة أسعار المحروقات أو أسعار الكهرباء والماء، مع ترشيد بعض أوجه الإنفاق. وقد حدث ذلك في قطر بوجه خاص في مخصصات الإنفاق الجاري على الخدمات وفي باب النفقات الرأسمالية الثانوية، اللذين سينخفضان معا بما مجموعه 21.2 مليار ريال. إلا أن مثل هذه الخطوات لا تبدو كافية في مواجهة العجز الكبير المحتمل لهذا العام وفي السنوات القليلة المقبلة على النحو الذي أشرت إليه أعلاه. وقد وجدنا أن المملكة العربية السعودية باتت تنظر جديا في البحث عن بدائل جديدة من قبيل خصخصة جانب من أسهم شركة أرامكو لديها، وفرض ضريبة على القيمة المضافة. وقد تم اتخاذ خطوات مهمة في قطر مؤخرا من قبيل إغلاق محطة الجزيرة أمريكا الفضائية، ورفع أسعار البنزين، وأسعار الكهرباء على المستهلكين. وأحسب أن الوضع في قطر يضغط باتخاذ خطوات أعمق في الاتجاه نفسه. ويبدو بالإمكان خصخصة حصص إضافية مما تملكه الحكومة في شركات كبيرة مثل صناعات ومسيعيد. وفي حين أن حصة الحكومة تصل إلى %50 في الوطني و45% في الريان والخليجي وأوريدو، فإنها لا تزال عند %70 في صناعات و76% في مسيعيد. وهناك إمكانية لخصخصة حصة من أسهم الخطوط الجوية القطرية بما يساعد على تميزها ورفع كفاءة تشغيلها، كما يمكن تخصيص جانب من خدمات المطار وغيرها.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-01-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews