على الدول النفطية مواجهة هذا السيناريو
تتبعت مناقشات الكونجرس الأمريكي لتشريع قانون يرفع الحظر عن تصدير النفط المنتج محليا في أمريكا. كانت الفرحة عارمة في أروقة الكونجرس.
وصفق كثيرون لواحد من كبار المشرعين الأمريكيين عندما قال، بعد أن حصل مشروع القرار على أغلبية الأصوات، إن أمريكا بصناعتها وتطورها المذهل تضع اليوم حدا لهيمنة العرب على هذه السلعة. وذكر المشرع المملكة العربية السعودية والعراق بالاسم ومن ثم أضاف إليهما روسيا وإيران.
الدول الصناعية الغربية ذات التقنيات والتكنولوجيا فائقة التطور أدركت أهمية النفط ويبدو أنها أخذت زمام المبادرة في الإنتاج.
والدلائل تشير إلى أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط ربما لن يؤثر في مسعى أمريكا لتطوير تكنولوجيا حديثة تخرج النفط العربي من خانة السلع الاستراتيجية. لو ألقينا نظرة على أدوات الحفر والاستخراج التي لا سقف لتطويرها وتحديثها، لصار جليا أننا مقبلون على ثورة صناعية جديدة في عالم النفط.
هذه الثورة التقنية تتطور اليوم بسرعة مذهلة، وفي حلقات وضمن قياسات زمنية ربما أكثر من أي صناعة أخرى.
قبل أقل من عقدين من الزمن كان العلماء والمختصون يخشون كثيرا نفاد النفط في العالم. وكانوا قد وضعوا سيناريوهات يتنبأون من خلالها بأن العالم سيشهد زوال أو انتهاء النفط بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين.
ولكن التكنولوجيا، ولا سيما الأمريكية منها، أفشلت كل هذه التنبؤات ويبدو أن النفط سيبقى معنا وبكميات كبيرة إلى أن يأذن الله للعلماء بالتوصل إلى مصادر طاقة بديلة.
ويقول بعض المختصين إن الأرض فيها من النفط الخام أكثر من حاجة البشر لقرون، وإن كنا لا نستطيع الوصول إليه اليوم فسيكون بإمكاننا استخراجه من خلال التكنولوجيا الحديثة.
السؤال المهم الذي على الدول النفطية وضعه في عين الاعتبار ولا سيما العربية منها، يتعلق بدور التكنولوجيا في استخراج النفط والوصول إلى بدائله.
إن كان الهبوط الحاد في أسعار النفط لم يوقف سعي أمريكا والغرب إلى استنباط تكنولوجيا لزيادة الإنتاج، فكيف سيكون الأمر لو ارتفعت الأسعار؟
كل زيادة في السعر ستزيد من أرباح الشركات التي تصنع أدوات الاستخراج ومعها أرباح المنتجين. وهذه دورة اقتصادية معروفة وسهلة الهضم. زيادة الأرباح ستؤدي إلى تخصيص مبالغ إضافية لتطوير الاستثمار في الصناعة والتكنولوجيا والتطوير والبحث والاستخراج.
على الدول النفطية ولا سيما العربية منها أن تعد نفسها وبجدية لمواجهة هذا السيناريو. في غياب التنوع في مصادر الإنتاج والخدمات والاتكال على سلعة أساسية وهي النفط، لا أظن أن ما اكتنزته هذه الدول من احتياطيات نقدية أو صناديق سيادية سيحميها من هزات كبيرة.
على دول الخليج الاعتماد على سكانها الأصليين في كل حلقات الإنتاج والخدمات. لا يعقل أن يكون دور 50 مليون شخص وهو عدد سكان هذه الدول (نحو نصفهم أجانب) في الإنتاج والخدمات أقل من دور ثمانية ملايين سويدي أو حتى أربعة ملايين فنلندي.
وأنت تزور جامعات هذه الدول أو أسواقها أو تلقي نظرة في شوارعها، قد يتبادر إلى ذهنك أنك ربما في دولة صناعية متطورة.
هذا ليس صحيحا. الظاهر شيء والباطن شيء آخر.
الجامعات أغلب أساتذتها أجانب. الخدمات أغلب القائمين عليها أجانب. الصناعة، وربما لا دور يذكر لها في الإنتاج، أغلب القائمين عليها أجانب.
حتى دورة الاقتصاد الريعي، عماد الاقتصاد في هذه الدول، القائمون عليها أجانب.
والبضاعة في الأسواق متوافرة أكثر من السويد وفنلندا مثلا ومن ماركات فارهة لم أسمع بها ولم ألحظها حتى في السويد. ولكن كل شيء فيها أجنبي من العامل البسيط إلى المدير إلى البضاعة وغيرها.
أغلب الجامعات الغربية لها فروع في أغلب هذه الدول. ولكنها تبقى غربية من بائها إلى يائها. ومع كل هذا لا يبلغ الإنتاج العلمي لهذه الجامعات قاطبة ما ينتجه الأساتذة الفنلنديون في بلد يبلغ تعداده نحو خمسة ملايين نسمة.
وإن أخذنا عدد الكتب التي يتم تأليفها وعدد الكتب التي تتم ترجمتها فإنها تقل عما ينشر في فنلندا وهي تقل بكثير عما ينشر في السويد.
ويبدو أن أغلبية السكان الأصليين يحاولون مجاراة رفاهية الغرب لا بل يسعون إلى إظهار أنهم في بحبوحة لم يصلها الغربيون.
سيارات الدفع الرباعي والأخرى الفارهة تملأ الشوارع، الأمر الذي لن تلاحظه في فنلندا والسويد مثلا.
ولكن إن قارنت إنتاجية الفرد في فنلندا من جهة ودول الخليج العربية من جهة أخرى لرأيت أن الفنلندي أو السويدي يسهم مساهمة فاعلة في الدورة الاقتصادية لبلده من خلال الإنتاج رغم أنه قد لا يحصل على الرفاهة ذاتها التي يتمتع بها بعض مواطني هذه الدول.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews