اقتصاد المعرفة السعودي.. الحقيقة والمأمول
في ظل التداعيات الاقتصادية العالمية والمخاوف المشتركة لدى دول المنطقة من إرهاصات الواقع السياسي الإقليمي والعالمي، تبرز الحاجة التي تفرضها عبقريات المخططين لكيان مملكتنا الحبيبة في ظل القيادة السلمانية الموفقة وأركان العهد السعودي المكين لولي العهد وولي ولي العهد -يحفظهما الله-، والتي نستشف من خلال دهاليز عمل الدولة فيها حراك في الاتجاه الصحيح لتحول هو في غاية الأهمية لكيان الدولة السعودية وفرض المواطن السعودي لنفسه في الخارطة العالمية الصعبة، فالاعتماد المزمن على الذهب الأسود، الذي لم يعد ذهبا في تدهورات أسعاره الأخيرة، يبقى خيار المستسلمين الضعفاء وهو خيار معلوم ومرفوض من قبل عقول الحكمة التي تقود مملكتنا الحبيبة. والتحول الجديد الذي نعنيه هو: تبني فكر وسياسات بل والتطبيق العاجل لما يسمى"اقتصاد المعرفة" وهو أحد فروع العلوم الاقتصادية، والذي يعتمد فهما جديدا أكثر عمقاً لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع.
ويعتمد فكر نشر وتكوين وتبادل المعرفة كنشاط اقتصادي والتعامل مع المعرفة كسلعة مثلها مثل أي سلعة، وهو فكر اقتصادي هام جدا وخطير بفكر أيامنا هذه حيث تقدر الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفة تستأثر الآن 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأنه ينمو بمعدل سنوي يقارب 10%، بل إن 50٪ من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
والمأمول لنا في المملكة أن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وهذا أمر ليس بالمستحيل الإبداع والتميز فيه، ولكن يجب على المخططين الإيمان بأن اقتصادات المعرفة تعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار والرقمية، ونحن لا نريد خلق عوالم من الارتياح الكاذب لدى المواطن السعودي، لذا نشد بقوة على جميع العاملين في أركان بناء الدولة على الضرورة القصوى لاختزال عوامل الزمن؛ لتهيئة هذه البيئة الأهم للانطلاق لاقتصاد معرفي سعودي حقيقي، ومن باب النقد لأجل البناء فإن الوضع الحالي كما نراه يؤكد أن الاقتصاد السعودي مبني على الإنتاج وبالتحديد إنتاج البترول، مقابل دور أقل للمعرفة، ونمو مدفوعا بعوامل الإنتاج التقليدية، في الوقت الذي ندعو لتعزيز الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات العالية، ورأس المال البشري، وهي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد، المبني على المعرفة ولترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة، والصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والرفيعة، وتسخير الرقمية المعلوماتية الذكية في الخدمات المالية وخدمات الأعمال والاتصالات؛ لخلق نظام فعال من الروابط التجارية مع الجامعات السعودية والمؤسسات الأكاديمية وغيرها من مؤسسات الدولة التي تستطيع مواكبة ثورة المعرفة المتنامية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، والتي يجب أن تكون المصنع الحقيقي لاقتصاد المعرفة السعودي الجديد، القادر بكفاءة على الإنتاجية والتنافسية الاقتصادية العالمية.
وهذا التوجه الابتكاري نحو اقتصاد المعرفة هو هدف قائم كما هي تفاصيل الهدف الثالث من أهداف خطة التنمية العاشرة (2015-2019م) للمملكة العربية السعودية. وإحقاقا للحق وللتاريخ، فإن الجهود المبذولة في محاولة الانتقال إلى الاقتصاد المبني على المعرفة كبيرة، ويتضح هذا الأمر من خلال ضخامة الاستثمارات والاعتمادات المالية لعدد من المشروعات التطويرية: كمشروع تطوير التعليم العام، ومشروع آفاق للتعليم العالي، وغيرها من المشروعات التي تصب في هذا الاتجاه، ولكن أجد نفسي -ومن واقع الحرص على نيل المبتغى- مضطرا للقول بأن جودة المحصلة في اتجاهات هامة، وبالأخص في مجال التقانة والابتكار والبحث العلمي قد تكون عائقا حقيقيا ضد تمكيننا من الظفر باقتصاد معرفي سعودي، يمكن لنا أن نستند عليه في يوم كريهة وسداد ثغر. وعليه، نقترح النظر بعين الجدية التامة لضرورة القضاء الفوري على عوائق البحث العلمي في المملكة، والذي لا يزال ضحية الروتين والبيروقراطية المؤسفة، كما نرى رفع درجة الاهتمام لدى الفرد السعودي بالفكر الجديد، وحث مؤسسات القطاع الخاص بأهمية هذا الاقتصاد؛ حتى يشاركوا الحكومة السعودية في تحمل المسؤولية وإنجاح هذا التوجه الإستراتيجي الهام.
أما وزارة التعليم بوزيرها الجديد معالي الدكتور أحمد العيسى، الذي أسعدني الحديث الهاتفي معه، فإني أرى أن أمامه فرصة ذهبية للإبداع والتميز في هذا الاتجاه؛ ليثبت لولي الأمة أنه رجل الفترة المناسب، وأهمس في أذن معاليه للنظر بابتكارية للخصوصية السعودية بعيدا عن تبني بعض الأفكار والتجارب الخاصة بالدول الأخرى: كالتجربة اليابانية، والتجربة الفنلندية، وغيرها التي يتردد صداها بين حين وآخر، ولم تثبت جدواها في كثير من المشروعات، فلكل بلد ظروفه وإمكانياته وثقافته وعاداته وتقاليده التي قد لا تكون متوفرة في البلاد الأخرى. ويبقى الطريق أمامنا طويلا لخلق اقتصاد معرفي سعودي حقيقي ولن يغير هذا الواقع إلا ما ننتظره من رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد -يحفظه الله- وبتوجيه من المليك المفدى وولي عهده الأمين، من خطوات استباقية جريئة نحو اقتصاد معرفي سعودي مأمول، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم، والله ولي القصد.
(المصدر: اليوم السعودية 2015-12-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews