المشهد السياسي والعسكري في سورية
عندما يقرر كاتب أن يكتب في قضية ما تتعلق ببلد من البلدان، فإنه يهدف في الأساس إلى أن يقدم صورة متكاملة للقضية التي يتحدث عنها، وبعد ذلك يطرح الآراء المناسبة لحل القضية إذا كانت هناك مقترحات مناسبة، لكن مثل هذا الطرح قد لا يتوافق مع الموقف في سورية، ذلك أن القضية السورية أصبحت أكثر تعقيدا بحيث تنوعت المواقف الدولية من حولها وأصبح من المستحيل أن يقدم أي كاتب تصورا متكاملا تقبله سائر الأطراف، لكن بالرغم من ذلك يبقى من غير المقبول تجاهل مثل هذه القضايا الكبرى خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحولات الجارية في هذا البلد ويقارنها بما كانت عليه سورية في الماضي، وهي تحولات تثير كثيرا من الأسئلة حول ما ظل يطرحه حزب البعث خلال المرحلة الناصرية، ويبدو في ضوء ذلك أن عرض الموقف في سورية من خلال مجموعة من الآراء ثم تداولها من قبل يجعلنا أكثر قربا من فهم ما يدور في هذا البلد.
ونبدأ ذلك من خلال بعض الآراء التي عرضها ‘إياد أبوشقرا’ والتي توقع فيها أن تستمر الأزمة السورية فترة طويلة قبل أن يتمكن السوريون من العيش من جديد معا دون أن تختلط الأوراق السياسية بالطائفية ودون أن يحاول النظام أن يصدر ثوراته إلى خارج الحدود، وخاصة دولتي الأردن ولبنان. وجاء في حديث أبو شقرا إن الرئيس بشار الأسد الذي آثر استخدام القبضة الحديدية في مواجهة المعارضين لم يستفد من الخبرة السياسية التي خلفها له والده في التعامل مع المعارضين خاصة من أتباع الطائفة السنية، وذهب أبوشقرا إلى أن نظام الأسد لم يعد مؤهلا في هذه المرحلة لكبح جماح الثورة السورية التي تعقدت وأصبح من الصعب السيطرة عليها. وخشي أبوشقرا من أن تنزلق هذه الثورة إلى المستنقع الطائفي وبالتالي تصدر نفسها إلى بلدان مجاورة مع أنها قد انزلقت بالفعل إلى هذا المستنقع الطائفي بحسب تعبيره.
ويذهب أبوشقرا إلى أن سوريا التي كنا نعرفها من قبل قد انتهت تماما وقال إن هناك من يعتقدون الآن أن حل مشكلة سورية يكمن في النظام الفدرالي ويعني ذلك باختصار تفكيك البلد إلى أسس طائفية وهو ما يعني تصدير ما يحدث إلى بلاد خارجية مثل لبنان والأردن والعراق.
وإذا نظرنا إلى المواقف الأجنبية من القضية وجدنا كذلك مواقف متباينة، وهي بكل تأكيد لا تصب في أي مصلحة للشعب السوري بل تصب ـ دائما- لصالح حسابات تدركها هذه الدول، فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى الموقف الروسي وجدنا أن روسيا مازالت تورد السلاح للنظام السوري ليقتل به شعبه وليس من أجل الدفاع عن عدوان خارجي متوقع، وإذا نظرنا إلى المواقف الأوروبية وجدنا أنها متضاربة ومتباينة في مجملها وهي تتحدث عن تقديم مساعدات مالية للمعارضة السورية ولكنها لا تتحدث عن تقديم مساعدات عسكرية، خوفا من أن تقع هذه الأسلحة في أيدي المعارضين الإسلاميين ذلك أن الاتحاد الأوروبي لا يريد قيام دولة إسلامية في سورية تخلف نظام بشار الأسد، أما الولايات المتحدة التي يعتقد الكثيرون في المنطقة العربية أن بيدها الحل والعقد فهي تقف مواقف مترددة من القضية السورية ولا يمكن أن ينظر بالطبع إلى المواقف الأمريكية إلا من خلال المصالح الإسرائيلية، وكما يبدو فإن إسرائيل لا تريد إسقاط النظام السوري الذي تعايشت معه أكثر من أربعين عاما ولم تخش منه ضررا، وهي تخشي تقسيم سورية وقيام دويلات فيها يكون بعضها معاديا بصورة كاملة لدولتها.
وحتى نتفهم الموقف السوري أرجو أن نقدم نبذة تاريخية للنظام السائد في سورية الآن، وهو النظام الذي كان يطلق عليه في الماضي – وخاصة خلال الفترة الناصرية – نظام البعث، الذي يراه الكثيرون أنه كان يقدم النموذج الأمثل لمفهوم الوحدة العربية وخاصة في العراق والسودان، وقد وصل حزب البعث في العراق إلى الحكم ولكنه بكل تأكيد يتأذى الآن من النكسات التي يواجهها النظام في سورية.
وكان حزب البعث قد وصل إلى الحكم في سورية عام 1964، ولكن انقلابا قام به الرئيس حافظ الأسد عام 1966 أطاح القيادات التقليدية مثل ‘ميشيل عفلق’ و’حافظ البيطار’، وبدأ الأسد يتقلب في المناصب من وزير للداخلية إلى رئيس للبلاد حتى موعد وفاته في عام 2000 ومنذ ذلك التاريخ لم يعد المواطن السوري مسموحا له بالتصويت في أية انتخابات إلا في استفتاءات الرئيس والتي كان الكثيرون يتهمونها بالتزوير.
وخلال حكم الرئيس حافظ الاسد كانت هناك حركات إسلامية وسلفية كثيرة تناهض الحكم إلى أن قام الرئيس حافظ الأسد بمواجهتها في عام 1982 وارتكب ما يعرف بمذبحة حماة، وهي المذبحة التي خلفت عشرات الألاف من القتلى، وهذه المذبحة تدل أيضا على أن ارتكاب الجرائم من هذا النوع ليست أمرا جديدا على النظام الذي يرتكب الآن المذابح في سورية والتي تجاوز ضحاياها المئة ألف.
وكما هو معروف فإن تفكير الرئيس حافظ الأسد في توريث الحكم إلى ولده بشار أدى إلى ما يعرف باحتجاجات اللاذقية التي قادها شقيقه رفعت الأسد، والتي أدت إلى وفاة المئات وجرح الآلاف، لكن هذه الاحتجاجات لم تقف عقبة أمام توريث بشار الأسد الذي عدل الدستور من أجل تخفيض السن المؤهلة لتولي المنصب الرئاسي، وخلال مرحلته الأولى من الحكم وعد الأسد الناس بنوع جديد من الحكم يقوم على المبادىء الديموقراطية، وبالتالي انتشرت الصالونات التي تناقشها في البلاد، وكان من قادة هذه الحركة ‘رياض سيف’ و’هيثم المالح’ و’كمال اللبواني’ و’رياض الترك’ و’عارف دليلة’، وغيرهم كثيرون، ولكن معظم هؤلاء القادة انتهى بهم الأمر إلى السجن في عام ألفين وواحد عندما طالبوا بإجراء انتخابات ديموقراطية، وذهب بعضهم إلى حد المطالبة بالعصيان المدني.
وفي مارس من عام ألفين وأربعة دخلت الحكومة السورية في مواجهة مع انتفاضة الأكراد في شمال البلاد، وقد أدت هذه المواجهة إلى مقتل العشرات من الأكراد ووضع الآلاف منهم في السجون، وفي عام ألفين وخمسة أصدر المعارض ‘ميشيل كيلو’ وعدد من المعارضين بيانا أطلقوا عليه اسم إعلان دمشق طالبوا فيه بقيام نظام ديموقراطي في البلاد ليحل محل الحكم الدكتاتوري القائم.
وتدخل سورية الآن مرحلة جديدة من الثورة بدأت منذ عام 2011 بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، ولكن الحكومة السورية لم تستفد من تجارب الدول العربية الأخرى وقررت مواجهة هذه الثورة بالقوة، وذلك ما أوجد هذا الموقف المتأزم، وهو الموقف الذي يقف حوله العالم منقسما على الرغم من أن حله أصبح واجبا، حقنا لدماء السوريين وإحداث تغيير حقيقي يعالج الأزمة السورية.
( المصدر : القدس العربي )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews