صراع النفوذ النفطي في الشرق الأوسط
بلا جدال، فإن روسيا وإيران هما الدولتان الأكثر تضرراً من انخفاض أسعار النفط على مستوى العالم والذي يمثل أحد أهم مصادر الدخل لكل منهما وأكبر ممول لموازنتهما العامة، وهو الأمر الذي زاد من تحالفهما معاً لتحقيق مصالحهما المشتركة بجانب موقفهما الداعم للنظام السوري، في محاولة حثيثة لعودة روسيا لتبوؤ مكانتها العالمية السابقة التي كانت عليها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وأملاً في بلورة واستثمار النفوذ الإيراني في العراق للضغط ومن ثم التحكم في حجم إنتاج النفط العراقي المتدفق في الأسواق والذي يعد أحد العوامل الأساسية المؤثرة في تحديد أسعار النفط عالمياً في الوقت الراهن.
ويؤكد العديد من الخبراء أن الموقف السعودي الداعم لخفض دول أوبك لكميات النفط المنتجة والمصدرة للأسواق العالمية في ظل زيادة المخزون والمعروض من النفط الصخري الأمريكي، بالإضافة إلى ضعف الطلب العالمي نتيجة لحالة الركود النسبي بالعديد من دول الأسواق الناشئة وفي مقدمتها الصين، ومن ثم خفض أسعار النفط إنما هو موقف موجه بالأساس للضغط على اقتصادات كل من روسيا وإيران اللذين يعتمدان بشكل كبير على الإيرادات النفطية، وذلك بهدف محاولة تغيير موقفهما الداعم للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه... مما دعا إيران إلى الإعلان عن زيادة إنتاجها من النفط بشكل متدرج إلى خمسة ملايين برميل يومياً بدلاً من مليون برميل حاليا، وطالبت منظمة أوبك بالضغط على أعضائها لخفض إنتاجهم لتلافي حدوث المزيد من خفض أسعار النفط، متبنية في ذلك شعار "نغرق جميعاً أو ننجو جميعاً".
ويُظهر عدد من الدراسات أن ضخ إيران لهذه الكمية الضخمة من نفطها بالأسواق العالمية سوف يزيد من صعوبة الموقف ويؤدي إلى انهيار الأسعار أكثر وأكثر، في ظل بلوغ إنتاج كل من روسيا والعراق من النفط إلى مستوى الإنتاج القياسي، وأظهرت هذه الدراسات كذلك أن نصيب روسيا والعراق من الصادرات النفطية إلى الدول الآسيوية في عام 2011 قد بلغ نحو 5%، فيما بلغت حصة إيران %10 والسعودية 27%، إلا أن الأمر قد تغير في أغسطس 2015، حيث بلغ نصيب روسيا والعراق مجتمعين نحو 9%، فيما انخفضت حصة إيران إلى 6% فقط، وكذا السعودية إلى 23%، وهو الأمر الذي يوضح بجانب انخفاض أسعار النفط أسباب انخفاض إيرادات السعودية وعجز موازنتها.
وفيما يرى البعض بأن إيران أيضاً تخسر من حصتها الآسيوية من مبيعات النفط لصالح كل من روسيا والعراق، فإن البعض الآخر يرى أنها خسائر بين أصدقاء تجمعهم مصالح مشتركة، خاصة أن روسيا لا تهتم كثيراً أو قليلاً بحلم الهلال الشيعي الإيراني طالما أنها تحقق مصالحها من خلال تحالفها مع إيران بعكس الأمر بالنسبة للسعودية.
ولكي تؤكد إيران للعالم أجمع بأنها جادة في مسألة زيادة إنتاجها من النفط بمجرد انتهاء العقوبات الغربية عليها وبلوغها خمسة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020 فقد دعت جميع الشركات العالمية الضخمة العاملة في مجال الطاقة من نفط وغاز وفي مقدمتها شل وتوتال وبريتش بتروليوم وشركة النفط النرويجية، للحضور هذا الأسبوع إلى طهران لمناقشة خطط التنقيب والتوسع والتصدير وطرح أكثر من 50 مشروعا جديدا، والإعلان عن طرح مجموعة من المناقصات الدولية لاختيار أفضل العروض المقدمة من هذه الشركات، خاصة أنها تمتلك ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز ورابع أكبر احتياطي عالمي من النفط.
ولقد أعربت العديد من الدول، خاصة تلك التي تعتمد ميزانياتها على إيرادات النفط، عن غضبها من الموقف الذي اتخذته منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية وعدم خفضها لحجم إنتاج دولها، وما سوف يترتب "وترتب بالفعل" على انخفاض أسعار النفط، ولقد أبدت هذه الدول تخوفها من الزيادة المحتملة لضخ إيران لكميات أكبر من النفط وتأثير ذلك سلبياً على الأسعار ومن ثم على إيراداتها وعلى خطط ومعدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادها.
لذا لم يكن غريباً أن نشهد تصريح وزير النفط العماني "محمد الرمحي" الذي يصف فيه قرار إبقاء منظمة أوبك على مستوى إنتاجها دون أي تخفيضات، بأنه قرار غير مسؤول، ورفضه لتصريحات بعض مسؤولي المنظمة بأن أسعار النفط حالياً لم تعد بيد المنظمة وإنما أصبحت بيد الله، مؤكداً على أن إضافة مليون برميل نفط إيراني جديد بالأسواق دون حاجة هذه الأسواق إليها سيكون كفيلاً بانهيار الأسعار وتدمير سوق النفط ذاته، وهو ما حدث هذا الأسبوع حين انخفض سعر برميل خام برنت إلى أقل من 40 دولارا، وبرميل النفط الصخري الأمريكي الخفيف إلى أقل من 36 دولارا وذلك بمجرد الإعلان عن النوايا الإيرانية، وهو ما دفع الكثيرين إلى التساؤل، وماذا سيكون مصير أسعار النفط بعد الزيادة الفعلية لضخ النفط الإيراني؟.
(المصدر: الشرق 2015-12-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews