في سوريا تدور حرب عالمية يقاتل فيها الكل ضد الكل والاعتبارات الطائفية تفوق كل اعتبار آخر
ومرة اخرى سيقع قريبا لقاء لدول عديدة “لانهاء النزاع في سوريا”، كما يعرض ذلك جون كيري. اما بالفعل فان “الانهاء” لن يكون؛ فليس هذا “نزاعا” بل حرب عالمية؛ ولم يعد هناك “سوريا”. وعليه فان الولايات المتحدة، روسيا وبعض الدول الاوروبية تلعب بالاوهام، والمنطقة الجغرافية التي كانت ذات مرة سوريا والعراق ستبقى ساحة لعاصفة هوجاء. والاسوأ من هذا، فان لبنان، الاردن، السعودية وتركيا هي الاخرى تنجر رغم انفها الى مركز العاصفة. العام 2016 قد يكون حرجا لبعض منه.
أولا، تعد هذه حربا عالمية سنية – شيعية، تستمر منذ 1300 سنة، وبالتالي ينبغي أولا ان تحل المشكلة السنية – الشيعية، قبل أن يكون ممكنا عمل أي شيء في سوريا. فالشرخ الطائفي هذا يرسم بوضوح المعسكرين: المعسكر الشيعي الذي توجد فيه ايران، حكومة بغداد، حكومة دمشق، حزب الله، بعض الاكراد والروس؛ وبالمقابل، المعسكر السُني، الذي يوجد فيه اردوغان، السعودية، معظم دول الخليج، القاعدة (عبر جبهة النصرة، ذراعها في سوريا)، الثوار الجهاديون، بعض الاكراد، وعلى مسافة بعيدة، ولكن في نفس المعسكر، “الدولة الاسلامية”. وبالمحور السُني ارتبط الغرب.
يدور الحديث عن حروب داخل حروب، وعن حروب لا تنتهي. الكل يدعي بانه يعمل ضد داعش، لخداع الامريكيين، اما عمليا فانهم يخوضون حروبهم الطائفية – العرقية. فالاتراك يبيدون التنظيم السري الكردي الـ PPK(حزب العمال الكردستاني)؛ الروس يبيدون الجهاديين السنة، الذين يمكنهم ان يكونوا بديلا للاسد في نظر الغرب؛ الجيش العراقي (الذي بات شيعيا في معظمه) يبيد القوى السنية في العراق؛ وللايرانيين خير ان ينشغل السنة في سوريا والعراق، بحيث لا يصلوا بسرعة كبيرة الى اراضيهم. اما السُنة انفسهم فمنقسمون الى مئات الميليشيات المعادية الواحدة للاخرى.
فكيف يمكن حل هذه المعضلة؟ هذه كراهية لا يمكن لاي طرف ان يتخلى عنها، وذلك لان الطرف الاخر سيبيده. الجهاديون السنة اقسموا على أن يدخلوا الى لبنان كي يذبحوا هناك كل الشيعة. وبدماء العلويين ينوون زيادة مياه البحر المتوسط. والحرب تغذي نفسها، وهي تتسع فقط. طريق مسدود.
المصالح الطائفية تفوق اعتبارات الحرب ضد داعش. من ناحية السعوديين، من اكثر خطورة – الشيعة أم داعش؟ الشيعة، بالطبع. وهكذا بالطبع ايضا من ناحية اردوغان. فلماذا يقاتلون إذن ضد داعش حقا؟ الاسد بحاجة الى داعش، لان الغرب عندها كفيل بان يدعمه لانعدام البديل؛ وداعش بحاجة الى الاسد لان السُنة عندها سيدعمون “الدولة الاسلامية” لانعدام البديل. والان، مع 150 مليار دولار سيطلقها الامريكيون للايرانيين، فان السلاح الروسي سيضخ اكثر فأكثر الى الميدان، والنار الطائفية ستصعد الى السماء. ايران ضد تركيا، تركيا ضد بغداد وروسيا، دوائر الصدمة ستتسع.
وثمة تواجد “الدولة الاسلامية”، المغناطيس لعشرات الاف المتطوعين الذين يتدفقون اليها من كل العالم. لقد خلقت المعركة الجهادية حركة دائمة مع اوروبا: الاف المتطرفين يتدفقون من الشرق الاوسط الى اوروبا، واوروبا تبعث بالاف المتطوعين الى داعش. هذا السياق لم يعد ممكنا ايقافه. ونفترض أن اراضي “الدولة الاسلامية” ستحتل من الغرب. فماذا في ذلك؟ من اصل 80 الف مقاتل يقتل 20 الف، والباقي سينتقلون الى اوروبا، ليهزوها أكثر فأكثر؟
وأخيرا هجرة الملايين ستتعاظم فقط. ثلاثة ملايين هذه السنة، خمسة ملايين في السنة القادمة. 26 في المئة من سكان العالم العربي يريدون الهجرة الى الغرب. الاقوياء هاجروا منذ الان، الاقتصاد هاجر، وكذا الامل غادر. الشخوص الحبيسة ستتحرر، وصندوق مفاسد الدول العربية المتعفنة لن يغلق في جيلنا سواء اراد الغرب البائس أم لا. فهذا بات بلا رجعة.
يديعوت 10/12/2015
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews