لماذا ننمي قطاع الطاقة بالسعودية؟
التنمية كما عرفها الدكتور غازي القصيبي رحمه الله هي الحل المستمر للمشاكل وإحلال مشاكل جديدة عوضاً عن تلك القديمة. ضرب مثال حينها بأن المشكلة الموجودة بذلك الوقت هي الانقطاعات المستمرة للكهرباء بينما المشكلة القديمة هي إيصال الكهرباء للمنازل. من هنا حُلت المشكلة الأولى وظهرت مشكلة أخرى حيث تم أدخال الطاقة الكهربائية للمنازل واستغني عن الإتريك بالمصباح الكهربائي. تلك هي التنمية.
لكن لماذا ننمي؟ وبشكل أدق لماذا ننمي قطاع الطاقة؟
جواب هذا السؤال ببساطة هو إيجاد حل لأزمة الطاقة المستقبلية وسد الاحتياج والطلب المتزايد على الطاقة. هذا الجواب يؤدي بشكل اخر الى سؤال أهم وهو ماهي أزمة الطاقة؟ قد يبدو للقارئ أن التعريف الحقيقي للمشكلة ليس ذو أهمية، بالواقع التعريف الخاطئ للمشاكل كلف دول وشركات المال والوقت بسبب معالجتهم للأعراض وليس صلب المشكلة التي هي المسبب الرئيسي للأعراض والمشاكل الثانوية. وفي بعض الحالات كان حل المشكلة أرخص وأسهل بكثير من علاج الأعراض. وتعريف المشكلة ليس بتلك السهولة اذ قد تبدو مشكلة ثانوية عارضة هي المشكلة الأصل لذلك علينا أخذ سبيل التأني والتفكير السليم وألا نهمل هذا الجانب بادعاء انه غير عملي وفلسفة أكاديمية. وما هذا المقال الا محاولة مني لتعريف أزمة الطاقة، قد أصيب وقد أخطئ، فمن أخطأ فله أجر ومن أصاب له أجران.
الأزمة عرفها المختصون أنها تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرارات في أحد الكيانات الإدارية تتلاحق فيها الاحداث وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، أو على اتجاهاتها المستقبلية. من التعريف السابق نجد أن الأزمة بها بعد زمني والتبعات القادمة جذورها ممتدة من القرارات الحالية. وعوضاً عن علاج الأعراض والاثار الجانبية يجب أن نتخذ إجراءات علاجية لأصل المشكلة ونتبنى إجراءات وقائية تساهم في حل الأزمة المستقبلية والعبقرية تكمن في تجنب المشاكل قبل أن تقع.
حسب التقديرات الحكومية فأن الطلب المتوقع على الكهرباء في المملكة العربية السعودية سيتعدى 120 جيجا واط بحلول عام 2032 م، وإجمالي الطلب على الوقود الخام لإنتاج الطاقة والصناعة والنقل وتحلية المياه سيرتفع من 3.4 مليون برميل من النفط يومياً لعام 2010 م الى ما يعادل 8.3 مليون برميل من النفط يومياً بحلول عام 2028 م. وبناء على هذه التقديرات سيكون هناك عجز بإنتاج الطاقة بالمستقبل ما لم نخطط له من الان. احراق المزيد من النفط لإنتاج الكهرباء ليس حل استراتيجي لبلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على تصدير النفط مع العلم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحولت من دولة مكتفية ذاتياً إلى دولة مستهلكة للنفط ومعتمدة على الخارج في عام 1949 م وذلك لزيادة استهلاكها نتيجة لتطورها. النفط كان وسيبقى المصدر الأقوى للطاقة لأجيال قادمة وليست نقطة الخلاف هنا مخزون النفط ونضوبه بل استغلال النفط وعائداته لتقويم وتطوير وتنمية الدولة واقتصادها. ينبغي علينا اعتماد بعد النظر في سياسية ومنهجية الطاقة ومناقشة كل الخيارات سواء بالاعتماد على مصدر وحيد أو عدة مصادر متجانسة لتوليد الطاقة مع الأخذ بالاعتبار أن المستفيد من هذا التخطيط ليس فقط أبنائنا بل أحفاد أحفادنا. التخطيط العشوائي غير المبني على أسس علمية ومنطقية واستراتيجية قد لا نرى ضرره بالوقت الحاضر بل سيكون أزمة الأجيال القادمة وتبذيرنا لمصادرنا الطبيعية بحجة وفرتها تدل على أنانيتنا المفرطة. عزيزي القارئ أود منك أن تتأمل المثال الذي أورده الدكتور غازي القصيبي وذكرته في بداية المقال وتخيل معي ماذا قد يحدث لو أن الذين سبقونا رفضوا ادخال الكهرباء وفضلوا الاعتماد على الطرق التقليدية بحجة أنهم عاشوا بسلام بلا كهرباء ولا حاجة لهم بها.
وأخيراً في رأيي المتواضع أن تعريف المشكلة هو إيجاد حل لسد الاحتياج للطاقة بأنسب طريقة وأفضل تكلفة مما ينعكس إيجابيا على اقتصاد وتنمية المملكة وتجنب ظهور أزمة مستقبلية. أما السؤال الان هو كيف ننمي الطاقة ؟!
(المصدر: مال 2015-12-9)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews