2015 .. رحلة طويلة ومتقلبة في الأسواق
يا لها من رحلة غريبة طويلة. العام قارب على الانتهاء. وأكبر أحداثه فيما يتعلّق بالأسواق - أول رفع لأسعار الفائدة المُستهدفة في الولايات المتحدة منذ عقد تقريباً - لا تزال أمامنا، لكنه الآن يبدو أمرا شبه يقيني.
الأسواق الرئيسة في طريقها لإنهاء عام 2015 بصعوبة كما كان متوقّعاً، وكثير منها يواكب بعضه بعضا. لكن الطريق للوصول إلى هذه اللحظة كان مُثيراً للدهشة. وقد تطلّب بعض التحوّلات الكبيرة في أسواق صرف العملات الأجنبية.
في مطلع عام 2015، كان هناك إجماع مريح على أن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ برفع أسعار الفائدة وأن البنك المركزي الأوروبي، الأكثر تردّداً في التحول نحو الأموال السهلة، سيضطر إلى اللجوء إلى تدابير غير تقليدية لإثارة الحيوية في اقتصاده.
في الواقع، مع انتهاء العام، كسبت عائدات السندات الحكومية لأجل عامين - الحساسة للغاية لتوقّعات أسعار الفائدة - في الولايات المتحدة نحو ربع نقطة مئوية (لتُصبح 0.93 في المائة) وفي ألمانيا فقدت نحو ربع نقطة مئوية (لتصل إلى أدنى مستوى لها؛ سالب 0.3 في المائة). ومن شبه المؤكد أن يقرر الاحتياطي الفيدرالي، بعد تقرير التوظيف الأمريكي لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) أمس الأول، رفع أسعار الفائدة هذا الشهر. من جانبه، البنك المركزي الأوروبي ـ كما أكّد يوم الخميس ـ خفض أسعار الفائدة بلجوئه إلى برنامج التسهيل الكمي، ومن ثم تمديده.
بالنسبة لأسواق الأسهم، فإن الأسواق في ألمانيا والولايات المتحدة هي بالضبط تقريباً حيث بدأت العام، ومتطابقة مع بعضها بعضا في الأداء من حيث الدولار. وبالنسبة للأسئلة الجوهرية الخاصة بأسعار الفائدة في الاقتصادات المُتقدّمة الرئيسة، وكذلك الأسهم، شهد عام 2015 تعديلاً ثابتاً وصغيراً.
لكن هذا لا يفسر لنا كل ما حدث خلال ذلك. في مطلع العام كثيرون كانوا يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي سيكون قد قطع شوطا لا بأس به في دورة التشديد الخاصة به بحلول هذا الوقت. قبل شهرين، بعد ذعر فصل الصيف بسبب الصين، أعتقد الجميع أنه تخلّى عن أي رفع لأسعار الفائدة هذا العام. وكانت الأسهم الأوروبية تستعد لتحقيق مكاسب أكثر إثارة للإعجاب قبل أزمة الصين، إلا أن الوضع المُعقّد في منتصف الصيف، بسبب اليونان، وفضيحة شركة فولكسفاجن، وبعض أرقام أرباح الشركات المروّعة قلّصت من حجمها.
أيضاً، هو يتجاهل تأثير العملات التي لعبت دوراً موازناً في الوقت الذي يحاول فيه العالم حل خلافاته. الدولار أصبح أقوى بنسبة 9 في المائة تقريباً. وارتفع نحو 11 في المائة قبل أحداث يوم الخميس، عندما أدّت خيبة أمل من إعلان البنك المركزي الأوروبي المتعلق ببرنامج التسهيل الكمي إلى ثاني أكبر مكاسب يومية لليورو مقابل الدولار في تاريخه.
التعديل البسيط حدث، لكن فقط بعد بعض التحرّكات الكبيرة في العملات وبعض سوء الفهم الكبير في الوقت الذي تحاول فيه البنوك المركزية إيصال خططها إلى الأسواق.
ما النقاط الرئيسة؟ أولاً، أن الاقتصاد العالمي ليس مُثيراً للغاية، مهما كان مُتقلّباً. ونمو الصين أبطأ مما كان عليه. مداعبة أوروبا في منتصف الصيف لكارثة بسبب اليونان لم تفعل شيئاً لمساعدة الوضع الكئيب، حتى لو كان يبدو أن الأمور تتحسّن قليلاً. وفي الولايات المتحدة، حتى مع استقرار البطالة عند معدل مقبول تاريخياً، إلا أن معدل التحسّن قد توقف، والأرقام أصبحت كئيبة بسبب الأعداد المرتفعة تاريخياً للأشخاص الذين تخلّوا عن محاولة العثور على عمل. وقطاع التصنيع يتباطأ والاقتصاد يعتمد في نموه على الخدمات، حيث التوظيف أكثر تقلّباً.
أحدث أرقام التوظيف تركت المجال مفتوحاً أمام الاحتياطي الفيدرالي لتشديد أسعار الفائدة هذا الشهر كما يشاء. ولم تؤد إلى أي إثارة كبيرة.
ثانياً، المال قابل للتبديل، وثقة المستثمرين لا تزال ضعيفة جداً بحيث كانوا يطلبون جرعات منتظمة من المال من البنوك المركزية. مؤشر ستاندرد آند بوزر 500 تحوّل سلبياً يوم الخميس في أعقاب خيبة الأمل التي أحدثها البنك المركزي الأوروبي، لأن المتداولين كانوا يعوِّلون على أن بعض الأموال التي تتدفّق إلى أوروبا ستعبر المحيط الأطلسي. وحقيقة أن السوق الأمريكية بقيت قريبة من موقعها الذي سجلته في أيار (مايو)، على الرغم من تشديد الاحتياطي الفيدرالي المُحتمل، كانت إلى حد كبير بسبب عمليات الحقن المتوقعة من البنوك المركزية الأخرى.
ثالثاً، التوقّعات مهمة. ثاني أكبر رفع يومي لقيمة اليورو جاء في اليوم الذي أقدم فيه البنك المركزي الأوروبي على تخفيض أسعار الفائدة وتمديد برنامج التسهيل الكمي - خطوة ينبغي أن تُضعف العملة من خلال جعلها أقل جاذبية للأجانب لوضع أموالهم فيها. اليوم الوحيد الذي ارتفع فيه اليورو أكثر مقابل الدولار جاء في عام 2009، عندما كان الاحتياطي الفيدرالي هو الذي لجأ إلى برنامج التسهيل الكمي.
كما هي الحال مع بعض تعرّجات السوق الكبيرة الأخرى لهذا العام، مثل تخفيض قيمة العملة الصينية، الخطوة كانت مدفوعة باندهاش المستثمرين. الحزمة التي أعلن عنها ماريو دراجي يوم الخميس كانت جذرية - لكن المستثمرين كانوا قد راهنوا على انخفاض أسعار الفائدة أكثر بكثير، وعلى تمديد عمليات شراء السندات الشهرية، وليس تمديد الفترة التي تستمر فيها على هذا النحو.
احتاج الأمر إلى اضطراب كبير في العواطف، وسوء فهم هائل، وتحول ضخم في سوق العملات الأجنبية، من أجل تدبير حتى التباعد المتواضع في السياسة النقدية، الذي يبدو أن عام 2015 سيعطيه لنا. ويحسن بنا أن نكون مستعدين لاستمرار التقلب، وازدياد حدته.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-12-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews