نوع الرئيس الذي تحتاجه أميركا

يشعر الكثير من الأميركيين بغضب عارم تجاه قادتنا السياسيين - الجمهوريين والديمقراطيين - ويعبرون عن غضبهم من خلال أمثال دونالد ترامب والسيناتور برني ساندرز من ولاية فيرمونت. ويعتبر الغضب مفهوما؛ إذ تصاب الحكومة الفيدرالية بالشلل، وعدم القدرة على معالجة أي من المشاكل الرئيسية التي تواجهها بلادنا، أو حتى إنجاز المهام الرئيسية، مثل سن الميزانيات السنوية للوزارات والوكالات الفيدرالية. كما ينبع الغضب بشكل متكافئ من السخافة والغطرسة والفساد الحكومي، بجانب اهتمام الساسة بخدمة المصالح الذاتية وإعادة انتخابهم أكثر من الاهتمام بمستقبل الأمة. وسوف يواجه الرئيس المقبل مشاكل داخلية كبيرة، فضلا عن تحديات تفرضها إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية والإرهاب والشرق الأوسط المضطرب. فما هي الصفات التي ينبغي علينا التطلع إليها في رئيسنا المقبل؟ بناء على خبرتي أثناء العمل مع ثمانية رؤساء من كلا الحزبين، هذه هي وجهة نظري:
• نريد رئيسا يفهم نظام الحكم الذي ورثناه من آبائنا المؤسسين، ويستوعب حقيقة أن تقاسم السلطة بين أجهزة الحكومة الثلاثة، وبناء التحالفات، وتقديم التنازلات، هي السبل الوحيدة لتحقيق أي هدف دائم. ويحتاج الرئيس المقبل لأن يمتلك فلسفة محورية ومجموعة من المبادئ، لكنه يحتاج أيضًا لأن يكون قائدا سياسيا براغماتيا وماهرا - مثل فرانكلين روزفلت ورونالد ريغان.
• يحتاج زعيمنا المقبل لأن يتحدث بصدق للشعب الأميركي. وكان «اللف والدوران» جزءا من العملية السياسية منذ اليونان القديمة، لكن في ظل عدم الثقة، مثل شعور معظم الأميركيين حاليا تجاه قادتهم السياسيين.
•يجب على الرئيس المقبل أن يكون حازما. ويجب عليه أن يكون حذرا للغاية بشأن رسم الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية، بيد أن القادة الآخرين يجب عليهم أن يعرفوا أن عبور الخطوط الحمراء المرسومة من جانب رئيس الولايات المتحدة ستترتب عليه عواقب خطيرة - وحتى مميتة. ويجب على الجمهور وأعضاء الكونغرس والقادة الأجانب على حد سواء أن يعرفوا أن كلمة الرئيس ملزمة له، وأنه سيوفي بوعوده والتزاماته، وأنه سينفذ تهديداته. ويجب على الرئيس المقبل أن يعرض أعضاء الحكومة للمساءلة عندما تخفق البرامج أو المبادرات، وينبغي حينها إقالة كبار القادة. كما أنه يحتاج لأن يمتلك الشجاعة لأن يتحدى الرأي العام واستطلاعات الرأي عندما تستلزم المصلحة الوطنية ذلك.
• يجب على زعيمنا المقبل أن يكون حلالا للمشاكل. ففي الآونة الأخيرة، انتخبنا رؤساء لديهم أجندة محافظة أو أجندة ليبرالية. وخلال الانتخابات المقبلة، ماذا عن البحث عن مرشح يمتلك أجندة تجعل الأمور تعمل بشكل جيد؟ أدرك أن هذا أمر بالغ الصعوبة في وقت يعتبر فيه معظم المرشحين آيديولوجيين للغاية، على كل من اليسار واليمين. لكن الشلل داخل الكونغرس وبين الكونغرس والبيت الأبيض تحت حكم الرئيسين الأخيرين يضر بالبلاد، ويضع مستقبلنا في خطر. ولا عجب في أن العديد من الأميركيين متشائمون إزاء اتجاه البلاد. نحن في حاجة ماسة إلى رئيس يسعى جاهدا للتعرف على والعمل مع أعضاء كلا الحزبين في الكونغرس المهتمين بإيجاد حلول لمشاكلنا المتعددة. نحتاج إلى رئيس يفهم أن تلك المشاكل معقدة للغاية وكبيرة جدا، لدرجة أن تخطيها سوف يستلزم دعم الحزبين من خلال المؤتمرات والرئاسات المتعددة.
• نحتاج إلى رئيس مقيد: مقيد باحترام صلاحيات الفروع الأخرى للحكومة. مقيد بضبط النفس في الخطابات، ويتجنب الوعود غير الواقعية والادعاءات المبالغ فيها بالنجاح والعواقب الوخيمة في حال عدم تبني مبادرته كما هو مقترح بالضبط. ومقيد في توسيع الحكومة عندما تعمل بشكل سيئ. ومقيد عن المغامرات الخارجية وعن استخدام القوة العسكرية كخيار أول بدلا من الملاذ الأخير. ومقيد عن التشكيك في دوافع هؤلاء الذين يختلفون معه، وعن معاملتهم كأعداء لا يمتلكون أي صفات إنجاز معوِّضة.
• وأخيرا، أهم صفة لزعيمنا المقبل في تلك المرحلة: يجب على الرئيس الجديد أن يكون موحدا حقيقيا للأميركيين. وتنقسم هذه الأمة بشأن كيفية التعامل مع التحديات المفروضة عليها مثل الهجرة، وجودة التعليم العام، وعدم المساواة الاقتصادية، ودورنا في الخارج، وغير ذلك. ويعمل الكثير من المرشحين للرئاسة من كل مناحي الحياة لتعميق الانقسامات لدينا، ولتحويلنا ضد بعضنا بعضا، وللعب على مخاوفنا. إنهم مستعدون لتعريض كل ما يجمعنا معا كشعب أميركي واحد للخطر من أجل طموحاتهم الخاصة. ويجب على الرئيس المقبل أن يقود استعادة التحضر لعمليتنا السياسية. ويجب علينا أن نأمل في أن يذكّر الرئيس الذي ننتخبه العام المقبل كل الأميركيين مرارا وتكرارا بمصيرنا المشترك، وبأن مصيرنا كأمة وكشعب يرتبط ببعضنا بعضا. ينبغي على الرئيس الجديد أن يحتكم - على حد تعبير الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن - إلى «أفضل ملائكة لطبيعتنا».

(المصدر: واشنطن بوست 2015-12-07)