سيارات الاستخدامات الرياضية لا يمكنها قيادة موكب التغير المناخي

الشائعات عن موت ثقافة السيارات الأمريكية مبالغ فيها إلى حد كبير. هذا العام الولايات المتحدة في سبيلها إلى تحقيق مبيعات السيارات الأكبر منذ بداية القرن الحادي والعشرين. الموجة تقودها عودة سيارات الاستخدامات الرياضية، التي تمثل حصة سوقية أعلى من أي وقت مضى.

أكثر من واحدة من كل ثلاثة من السيارات المبيعة في الولايات المتحدة هي من سيارات الاستخدامات الرياضية. الطلب على سيارات الهمر المستعملة، على الرغم من أن "جنرال موترز" توقفت عن إنتاجها، في أعلى مستوى له منذ 11 عاما. مع أرقام مثل هذه، سيكون لدى الرئيس باراك أوباما مهمة صعبة في باريس الأسبوع المقبل. على الرغم من جميع تعهدات قمة الاحتباس الحراري العالمية غير الملزمة، إلا أنها من المقرر أن تبدأ عصرا من العادات الجديدة. إذا لم يغير الأمريكيون عاداتهم، فهل سيحذو الآخرون حذوهم؟

مع المجزرة الإرهابية الأخيرة، سيكون زعماء العالم بالفعل مشغولين للغاية. لكن جدول أعمال باريس ملح بما فيه الكفاية. المستوى الشهري من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض تجاوز 400 جزء في المليون في وقت سابق من هذا العام - وهي عتبة ينبغي أن تطلق أجراس الإنذار. هذا المستوى هو أعلى بما يزيد على 40 في المائة من مستويات ما قبل الثورة الصناعية ـ ولا يزال آخذا في الارتفاع. الحصة الأكبر تأتي من الصين التي جعلت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بعد الركود العظيم في عام 2008. بعد الولايات المتحدة تأتي الهند، حيث أقل من واحد من عشرة من السكان يملكون سيارة ذات دفع رباعي. وما يصل إلى نصف الهند يفتقر إلى الكهرباء. إذا نظرت إلى الهند على خريطة الأرض الخاصة بـ"جوجل" ليلا، ستجد مساحات واسعة في ظلام دامس. فتحت أي ظرف يمكن أن توافق ديمقراطية مضاءة على ضوء الشموع تقريبا على تخفيض الكربون؟

الجواب القصير هو الرشا. في قمة كوبنهاجن 2009، تعهدت البلدان الغربية بنقل 100 مليار دولار سنويا اعتبارا من عام 2020، لدعم الوقود الأنظف في البلدان الفقيرة. لكن هذه الأرقام طموحة. كما أنها لن تكون كافية لإحداث تأثير اقتصادي كبير. الهند وحدها تحتاج إلى استثمار أكثر من ضعف ذلك المبلغ كل عام فقط لمواكبة الطلب. بالمعدل الحالي، سوف تحقق معظم ذلك مع المحطات الجديدة التي تعمل بالفحم ويتم تزويدها من الفحم البني المحلي - ربما أقذر شكل من أقذر أنواع الوقود. في الولايات المتحدة، هناك جلبة وغضب حول "وفاة الملك الفحم". على الرغم من أن حصته تنخفض بسرعة، إلا أن الفحم لا يزال يمثل أكثر من ثلث إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة.

كانت هناك آمال كبيرة في حقيقة أن انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة تنخفض. إجمالي ناتج الانبعاثات الأمريكية اليوم أقل مما كان عليه في عام 2005. جزئيا هذا بسبب معايير كفاءة الوقود الأكثر صرامة. بعض منه أيضا بسبب التباطؤ الناجم عن الركود العظيم. ومن بين الاقتصادات الرئيسية، نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أمريكا هو الأعلى وسيبقى كذلك لبعض الوقت.

وحتى لو استمرت الصين في بناء مصانع جديدة تعمل بالفحم، بالمعدل الحالي، فإن متوسط ما تنتجه المصانع الأمريكية من الكربون يزيد ثلاثة أضعاف عن متوسط المصانع الصينية وأكثر من عشرة أضعاف متوسط المصانع الهندية. كل من الصين والهند اقتبست عن الولايات المتحدة لإعلان أحلام الطبقة المتوسطة الخاصة بها. مع ذلك، إذا لم يكن بالإمكان إعادة تصور النسخة الأمريكية، سيكون من الصعب إقناع الآخرين بتغيير تلك الخاصة بهم.

هذا هو المكان الذي يأتي منه الاندفاع في مبيعات السيارات في الولايات المتحدة. في عام 2009 شاعت قراءة عن زوال سيارات الاستخدامات الرياضية. يقول أحد المحللين إن السيارة التي تسرف في استخدام البنزين كانت تتجه نحو تلك "المخلفات الكبيرة في السماء". كانت مكلفة جدا، ولا تناسب الأوضاع السياسية، ولا يمكنها أن تنجو من فترة ركود ومن إدارة أوباما. ولفترة من الوقت انخفضت المبيعات بالفعل. لكن في الأشهر الـ 18 الأخيرة حطمت جميع الأرقام القياسية. نقطة التحول كانت انخفاض أسعار النفط. بمجرد أن انخفض سعر جالون البنزين إلى أقل من ثلاثة دولارات العام الماضي، عاد المستهلكون إلى أذواق ما قبل فترة الركود.

ومنذ بداية العام حتى الآن، ارتفعت مبيعات سيارات الاستخدامات الرياضية بنسبة الخمس تقريبا. وبعض الموديلات، مثل جيب شيروكي، تباع بنسبة تقارب 33 في المائة أكثر من عام 2014. باستثناء "فولكسفاجن"، التي تعاني واحدة من كبريات عمليات استرداد السيارات في التاريخ، تقريبا جميع شركات صناعة السيارات الأمريكية والأجنبية الرئيسية تحقق هوامش ربح قياسية. وفي كل حالة مبيعات سيارات الاستخدامات الرياضية والشاحنات الصغيرة تتصدر النمو. حتى حين نأخذ في الحسبان حقيقة أن سيارات الاستخدامات الرياضية الصغيرة تمثل حصة مرتفعة من المبيعات، وكثير منها هجينة، إلا أن اقتصادها في استهلاك الوقود لا يزال أقل من البدائل. في الوقت نفسه، مبيعات سيارة تويوتا بريوس كانت تتراجع.

المتفائلون يشيرون إلى تغير الأذواق لدى أفراد جيل الألفية الأمريكي. فهم يشترون عددا أقل من السيارات ويسافرون مسافات أقصر من أي جيل من سابقيهم. إحساسهم بالحرية موجود في الإنترنت المفتوح أكثر مما هو موجود على الطريق المفتوح. الحديث عن الوصول إلى "ذروة السيارات" يستند إلى عاداتهم. مع ذلك، في مرحلة معينة سوف يبدأ جيل الألفية في إنجاب الأطفال. ومن الصعب أن نصدق أنهم سوف يربون أطفالهم في مجتمعات حديثة في وسط المدينة، أو في الطابق السفلي من بيوت آبائهم. هذا يتطلب تراجعا في أسعار المساكن في المدن، وعودة المدارس الحكومية الجيدة إلى المدن. ما لم يحدث هذان الأمران معا، معظمهم سوف ينشئون عائلاتهم في الضواحي، حيث مشاركة ركوب الدراجات لا تفي بالغرض.

هل سيتحولون إلى استخدام السيارات الهجينة؟ ما لم تفرض الولايات المتحدة ضريبة أعلى بكثير على البنزين، فإن التحول غير مرجح. الوقت الممتاز لزيادة الضرائب هو حين تكون أسعار النفط منخفضة. مثل هذه الخطوة تبدو بعيدة الاحتمال في المستقبل القريب. فأغلبية الكونجرس تعارض أي قيود على استهلاك الوقود الأحفوري. وفي الأسبوع الماضي صوت الكونجرس على تقويض خطوات أوباما المتواضعة للحد من انبعاثات الكربون. لذلك لا عجب أن ثقافة السيارات الأمريكية لم تصل إلى مرحلة الذروة حتى الآن. وفي الهند بدأت هذه الثقافة للتو في الارتفاع.

(المصدر: فايننشال تايمز 2015-11-24)