خلع ثوب الفخامة يفسد حفل السلع الفاخرة في الصين
في مساء هادئ الأسبوع الماضي، كانت إحدى المتسوقات تتجول بين مجموعة من حقائب اليد الثمينة في المجمع الفخم شين كونج الفارغ إلى حد كبير في بكين.
قالت: "أنا أشتري جميع أنواع الماركات التجارية - لوي فيتون وتشانيل وبرادا وجوتشي. الآن أسعار المنتجات الفاخرة في الصين أفضل بكثير مما كانت عليه سابقا، لكن في معظمها أشتريها عندما أسافر للخارج كل عام".
قد تكون راغبة في تبذير المال بشراء أسماء العلامات التجارية الكبرى في الوطن والخارج، لكن المتسوقين الصينيين من أمثالها يزدادون ندرة. الآثار الناجمة عن الإجراءات الصارمة التي تتخذها الحكومة بشأن منح الهدايا الثمينة وتباطؤ الاقتصاد آخذة في التفاقم بسبب تغير أذواق المستهلكين.
وتعاني الشركات الفاخرة أيضا تداعيات التوسع المندفع المستند إلى ما وصفه تقرير صدر الأسبوع الماضي عن المؤسسة البحثية الأمريكية "معهد الطلب" ومؤسسته الأم، "مجلس المؤتمر"، بأنه "النمو المفرط في التفاؤل وتقديرات الاستهلاك" التي "ضللت المستثمرين الأجانب".
انخفض الإنفاق على السلع الفاخرة في البر الصيني الرئيسي في العام الماضي للمرة الأولى، وفقا لشركة بين آند كو، ليصل إلى نحو 15 مليار دولار. وتتوقع الشركة الاستشارية أن يتقلص أكثر بنسبة 2 في المائة بأسعار الصرف الثابتة، مقارنة بانخفاض نسبته 1 في المائة العام الماضي.
ويشكل هذا تحولا حادا في نمو لافت على مدى عقد من الزمن، عندما قفز الإنفاق الفاخر الصيني، في الداخل والخارج، عشرة أضعاف - من 3 في المائة من الإنفاق العالمي الفاخر في عام 2004 إلى 30 في المائة عام 2014، وفقا لإكسين بي إن بي باريبا.
ومن دون محركها الرئيسي للنمو، لن تعود الحياة حياة رفاهة وترف بالنسبة لصناعة السلع الفاخرة العالمية البالغة قيمتها 250 مليار يورو، التي يتعين عليها العمل بجد أكثر لضبط التعقيدات الخاصة بالسوق الأكثر نضجا والأكثر انقساما.
يقول لوكا سولكا، المحلل لدى إكسين بي إن بي باريبا، إن السوق الصينية "لم تكن عظيمة بالنسبة لأي أحد أخيرا، لكن برادا وبيربيري تتعرضان فيما يبدو لضغط أكبر من قبل الصين أكثر من أقرانهما".
وحذرت بيربيري في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من أن المبيعات تتراجع بسبب "بيئة صعبة على نحو متزايد بالنسبة للسلع الفاخرة، ولا سيما بالنسبة للعملاء الصينيين".
وكثير من المنفقين الأكثر ثراء في الصين حصلوا بالفعل على كفايتهم من الأسماء الكبيرة ويتطلعون الآن لشيء مختلف، بحسب ما يقول محللون. أما الزبائن الآخرون الأكثر اهتماما بالأسعار، فهم يشترون عبر الإنترنت. في الوقت نفسه، يزداد عدد المواطنين الصينيين الذين يسافرون إلى الخارج، حيث يمكنهم أن يروا أن الأسعار أرخص على الأغلب بنسبة 30 في المائة عما هي في موطنهم.
وعمل تخفيض قيمة الرنمينبي في آب (أغسطس) الماضي على تضييق الفجوة في الأسعار مع أوروبا، رغم أن بعض الماركات التجارية الفاخرة - ولا سيما تشانيل - كانت قد حاولت في الأصل معالجة المشكلة عن طريق تقنين وتوحيد أسعار بعض حقائبها في جميع أنحاء العالم.
تقول أنجليكا تشيونج، رئيسة التحرير في مجلة "فوغ" الصينية: "تغيرت السوق كثيرا خلال الـ 12 شهرا الماضية، ليس فقط بسبب الاقتصاد، بل أيضا بسبب التكنولوجيا والسفر. والشركات لم تتحرك بالسرعة نفسها".
لكن يتعين على شركات السلع الفاخرة التحرك بسرعة لأن توقعاتها بأفواج من المنفقين الجدد القادمين من الطبقة المتوسطة الناشئة متفائلة أكثر من اللازم، كما هو موضح من قبل "معهد الطلب" الذي يقول: "هناك طريق طويل ينبغي على معظم المواطنين الصينيين سلوكه قبل الدخول إلى الطبقة المتوسطة".
ووصفت لويز كيلي، المؤلفة المشاركة في كتابة التقرير، توقعات جني منافع عن طريق فتح محال تجارية فاخرة في مجموعة من المدن الأصغر حجما بأنها نوع من الأساطير. وتم جذب الشركات الفاخرة من خلال الإيجارات الرخيصة المعروضة من قبل رؤساء البلديات المحليين، الحرصاء على التفاخر بوجود سوق تجارية جديدة لامعة، ومن خلال أعداد السكان الكبيرة في المدن الثالثة من حيث عدد السكان. لكن هؤلاء المستهلكين ليس لديهم بالضرورة المال لشراء حقيبة ماركة جوتشي أو لوي فيتون.
نتيجة لذلك التوسع السريع، يوجد في الصين وفقا لبحوث بيرنشتاين، كثير من المتاجر الفاخرة أكثر من أية دولة أخرى في العالم، متجاوزة الولايات المتحدة بفارق كبير، ومقتربة من حد الإشباع.
وأغلقت "إل في إم إتش"، أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم من حيث المبيعات، ثلاث محال للماركة العالمية لوي فيتون في الصين، بما في ذلك أول منفذ للعلامة التجارية في مدينة جوانجتشو الجنوبية، عقب إغلاق منفذين في هاربين وأورومتشي.
وتوقع جان - جاك جينوي، مدير التمويل للشركة الفرنسية، الشهر الماضي إن تغلق المجموعة بعض المحال في مدن الدرجة الثانية. وقال: "الصين وهونج كونج وماكاو تعيش معاناة". ووفقا لشركة بين، من المتوقع أن تتقلص مبيعات السلع الكمالية بنسبة 25 في المائة في هونج كونج هذا العام.
وانخفضت مبيعات بيربيري البريطانية وكوتش الأمريكية في هونج كونج، حيث ترتفع الإيجارات بينما عدد الزوار الصينيين آخذ في الانخفاض.
وتسير بعض الماركات ضد هذا التوجه مع وجود فرص جديدة. توسعت هيرميس، الوافد المتأخر نسبيا للسوق الصينية، ببطء، جزئيا بسبب القيود المفروضة على الإنتاج. وافتتحت الشركة اثنين من المتاجر الجديدة العام الماضي، ما يجعل المجموع 23، وهو أقل من نصف حجم الشبكة الخاصة بماركة كيرينج (التابعة لجوتشي) أو لوي فيتون.
وقال كريستوفر بايلي، الرئيس التنفيذي لبيربيري، الشهر الماضي: "أساسيات صناعة الكماليات آخذة في التغيير"، مضيفا أن "نمو الإنفاق الصيني على الكماليات آخذ في الاعتدال".
وتشتمل تلك الأساسيات على الثقة الجديدة المكتشفة حديثا بين الزبائن الصينيين، التي تجعلهم أقل استعدادا لقبول ما تقول الماركات الغربية الفاخرة إنه ينبغي لهم شراؤه.
يقول بنجامين كافيندر، من شركة بحوث السوق الصينية في شنغهاي: "كان هناك تحول حقيقي على مدى العامين الماضيين في تصورات المستهلكين حيال ما ينبغي أن يكون عليه المنتج المناسب للشراء. كان الموضوع هو تنفيذ عملية شراء كبيرة آمنة لماركة معينة من أجل التباهي، لكن هذا تحول نحو جعل عمليات الشراء معتمدة على اهتمامات الفرد ونمط حياته".
المستفيدون من هذا التحول هم "نورث فيس"، العلامة التجارية لمنتجات النزهات، وشركات الألعاب الرياضية، مثل نايكي وأديداس، ما يعكس تركيزا متزايدا على أنماط الحياة الصحية.
ويرغب المستهلكون أيضا بتمييز أنفسهم عن طريق إنفاق المال على الخبرات، مثل السفر، والطعام الجيد والمنزل، بدلا من شراء منتج مشهور آخر، بحسب ما يقول إيمانويل هيميرله، الشريك المنتدب في شركة إيمانويل هيميرله، وهي هيئة استشارية للقيادة.
ويظهر المستهلكون أيضا المزيد من الاهتمام بالعلامات التجارية المحلية التي تفضل إنشاء صناعة محلية وليدة للكماليات، بحسب هيميرله.
وتستجيب شركات السلع الكمالية لتلك التغييرات. وتجني كوتش، مجموعة الصناعات الجلدية الأمريكية، المنافع داخل الصين لكون أسعارها معقولة أكثر من أسعار كثير من منافسيها ذوي المستوى الراقي، لكنها تقول إن الإنفاق من قبل السياح الصينيين آخذ في النمو أيضا.
وتضيف: "يشكل السائح الصيني جزءا كبيرا من أعمالنا التجارية على الصعيد العالمي - ولا سيما في اليابان وأوروبا. نحن نوظف في هذا الاتجاه، ما يزيد من عدد الزملاء الذين يتكلمون اللغة الصينية في المتاجر في تلك المناطق الجغرافية".
وتركز ماركة بيربيري البريطانية على التسويق الرقمي وتبتعد عن المتاجر، ما يعمل على خفض عدد موظفي البيع بالتجزئة في هونج كونج بنسبة 25 في المائة.
الجانب الإيجابي لإغلاق المحال ذات الأداء الضعيف، والتركيز على المواقع الأكثر نشاطا، ينطوي على أن الصين يمكن أن تصبح بلدا أكبر ربحية بالنسبة للشركات الفاخرة.
يقول إيروان رامبورج، محلل السلع الفاخرة في بنك إتش إس بي سي في هونج كونج: "تبقى تكاليف الموظفين والإيجارات معقولة مقارنة ببقية أنحاء العالم. نعتقد أن هوامش الأرباح ستتحسن، لأن العلامات التجارية لديها في الأصل متاجر كافية، وبالتالي تستطيع أن تسيطر على النفقات الرأسمالية للتوسع في التجزئة، الذي ألقى بثقله على هوامش الأرباح".
ومنذ الآن هناك علامات مثيرة تشير إلى التحسن. مجموعة ريشمون، المالكة لكارتييه، قالت هذا الشهر إن النمو استؤنف في البر الرئيسي في الصين، مستفيدا من مبيعات التجزئة في المتاجر المتخصصة. وفي الشهر الماضي قال جاري ساج، المدير المالي للمجموعة السويسرية، لمحللين في هونج كونج: "إن الأمر أخذ يتراجع من حيث السوء (...) لكني لا أرى ذلك سببا يدعو للاحتفال".
وفي السنوات الأخيرة انطلقت السياحة الصينية بشكل كبير، رغم أن 6 في المائة فقط من سكان الصين يمتلكون جواز سفر. ونحو 120 مليون صيني سافروا إلى الخارج في العام الماضي ـ أكثر من ضعف العدد قبل خمس سنوات.
ويعتبر هؤلاء السياح أمرا مهما بالنسبة لصناعة السلع الفاخرة، لأن ثلثي الإنفاق الصيني على الكماليات، البالغ 65 مليار يورو العام الماضي، كان خارج الصين، وبعضه أنفق من قبل الوسطاء المستخدمين من قبل المستهلكين، لتجاوز الضرائب المرتفعة المفروضة على الواردات الفاخرة التي تجعل الشراء في الخارج أرخص ثمنا.
مع ذلك يبدي المسافرون الأغنياء حرصا شديدا على محفظة أموالهم. ووفقا لوحدة البحوث السرية Confidential Research، وهي شركة خدمات لبحوث الاستثمارات تابعة لـ "فاينانشيال تايمز"، انخفضت حصة الفرد من الإنفاق على التسوق بنسبة 8 في المائة على أساس سنوي عام 2014، بسبب التباطؤ الاقتصادي وتضييق الخناق على منح الهدايا.
مع ذلك ارتفع الإنفاق الإجمالي، لأن عدد الرحلات الخارجية توسع بنسبة 20 في المائة. لكن الوجهتين التقليديتين، هونج كونج وماكاو، لا تجنيان منافع من جراء هذا الارتفاع، لأن السياح الصينيين يفضلون بشكل متزايد السفر إلى وجهات جديدة.
بدلا من ذلك، تنمو شعبية كوريا الجنوبية واليابان. ففي أول رحلة لهم لهذا العام اختار ربع السياح الصينيين كوريا الجنوبية - وضعف هذا العدد العام الماضي. وتأتي فرنسا في المرتبة الأولى في قائمة الوجهات السياحية.
(المصدر: فايننشال تايمز 2015-11-22)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews