عجز الميزانية وصندوق النقد الدولي
ليس هناك شك في أننا سوف نتمكن من مواجهة عجز الميزانية القادم رغم أن حجمه لن يكون قليلاً وإن طرق وأساليب إدارته لن تكون سهلة. وهذه القناعة مردها إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي نواجه فيها عجزا في الميزانية. فنحن قد تعايشنا خلال الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم مع العجز الذي تساوى حجمه مع الناتج المحلي الإجمالي بل وتعداه.
وهذا لا يعني التقليل من حجم المشكلة. فهي بدون شك سوف تمس كافة أوجه الحياة. وفي مثل هذه الظروف سوف يتبرع الكثير لتقديم وصفات العلاج على غرار ما فعل صندوق النقد الدولي، التي زارتنا مديرته العامة كريستين لاجارد في هذا الشهر. ومن اطلع على تلك التوصيات سوف يلاحظ إنها لا تعدو عن كونها ملاحظات عامه لا تأخذ بعين الاعتبار خصائص اقتصاد المملكة وطبيعة المجتمع فيها. وهذه على اي حال هي عادة الصندوق الذي لا يكلف خبراؤه نفسهم عناء دراسة كل بلد وخصائصه على حدة.
فنحن بدون أن تكلف مديرة عامة الصندوق نفسها عناء القدوم الينا قد سبق وناقشنا ما جاءت به لتبيعه علينا. ومن يتابع الرياض الاقتصادي وحدها يلاحظ أن ما طرحه ويطرحه الزملاء عبر صفحاتها يذهب إلى أبعد مما قدمه صندوق النقد من نصائح. فالمملكة لا تعاني من زيادة الانفاق بقدر ما تعاني من المرض الذي اشتكت منه هولندا بعد اكتشاف النفط فيها وصار يعرف بالمرض الهولندي. وأحد أهم مظاهر هذا المرض هو استلطاف البذخ والتراخي والاعتماد على موارد ناضبه.
ولذلك فإن تغيير المعادلة يحتاج إلى إعادة هيكلة الانفاق الحكومي أكثر مما يحتاج إلى تقليصه. بالعكس ففي ظل العجز المتوقع يفترض أن يتم الحفاض على تدفق الانفاق الحكومي حتى لا يؤدي ذلك إلى تراجع كبير في معدلات النمو. أو بمعنى آخر نحن نحتاج إلى زيادة الانفاق الحكومي على المشاريع التي بإمكانها أن تخلق بدائل للنفط وبدائل للإنفاق الحكومي على التنمية. فبلدنا في أمس الحاجة إلى وجود قطاع اخر غير القطاع الحكومي يطلع بدور المحرك للاقتصاد عندما تتراجع العائدات النفطية. ولهذا نحتاج إلى انشاء شركات كبرى خاصة تساهم بنسبة لا تقل عن 80% في تكوين الناتج المحلي الاجمالي. وأنا هنا أود أن أشير إلى التغريدة التي تلقيتها من أحد الأصدقاء أصحاب الأعمال والتي تتحدث عن تنامي ثروات أغنياء العرب عام 2015 ووصولها إلى 203 ترليونات دولار في الوقت الذي يتناقص فيه ناتج الدول العربية. والمغزى هنا واضح فأصحاب الأعمال يديرون ثرواتهم بكفاءة أعلى من الحكومات.
ولذلك فحتى نتمكن من إدارة ثرواتنا بكفاءة نحتاج إلى دعم القطاع الحكومي لإقامة شركات كبرى خاصة. وعلى هذا الأساس فإن الميزانية الحكومية للعام القادم وفيما يليه من أعوام يفترض أن تضع على رأس أولوياتها التوجه مباشرة إلى إنشاء شركات ذات طاقة تصديرية عالية بمساهمة رؤوس الأموال الخاصة. واعتقد أن نموذج البنوك السعودية يفترض أن يتم تطبيقه في مجال الصناعة والزراعة. فالمملكة بمشاركة رؤوس الأموال العالمية والمحلية تحتاج أن تنشئ على غرار سابك شركات في بقية القطاعات الصناعية والإنتاجية.
(المصدر: الرياض 2015-11-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews