تكريم عشرة من رموز السينما العربية والعالمية والجزائرية أبرزهم رموز في حرب الاستقلال

جى بي سي - استقبل قصر المؤتمرات الذي يحمل اسم المناضل الراحل محمد بوضياف الحفل الكبير الذي شهد تدشين فعاليات الدورة السادسة لمهرجان وهران للفيلم العربي حيث تتزامن دورته الحالية مع العيد الخمسين لحرب الاستقلال الجزائرية.
القصر الفخم والفريد الذي يقع على شاطئ المتوسط مباشرة ويلاصق فندق الميريديان تتسع قاعته الرئيسية لما يربو على الألف مقعد.
كان الحضور الرسمي سببا في تأجيل حفل الافتتاح ما يزيد على الساعتين، وقد اعتذرت في النهاية وزيرة الثقافة الجزائرية عن حضور وقائع الحفل بسبب ارتباطاتها الرسمية، لكن كلمتها كانت محمولة عبر أحد ممثليها بوزارة الثقافة.
الحفل شارك فيه مئات الفنانين والمخرجين والصحافيين المحليين والعرب مع حضور جماهيري حاشد وكذلك شهد حضورا إعلاميا لمعظم قنوات التلفزيون الرسمي والفضائيات العربية.
جاءت كلمة الوزيرة خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية معبرة عن دوافع الدولة وراء إقامة المهرجان حيث جاء في كلمتها أن الجزائر تسعى جاهدة وبكل قوة الى إعادة الاعتبار لفن السينما الجزائرية الذي أسسه رعيل عظيم من كبار الفنانين الدين يعيشون بيننا والدين رحلوا عن دنيانا، كما أثنت الوزيرة على السينما العربية كافة وعلى تطورها الملحوظ، كما أشارت كلمة الوزيرة الى أن الدورة الراهنة للمهرجان تأتي متزامنة مع مناسبة مهمة ومؤثرة في تاريخ الجزائر ألا وهي حلول الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال.
أما والي وهران عبد المالك بوضياف فقال في كلمته إن المهرجان يعود الى وهران من جديد وهي بكل تأكيد مدينة للفن والنضال، وعبر بوضياف عن سعادته بأن المهرجان يجمع فسيفساء عربية متعددة المشارب والتوجهات بالإضافة الى
المعطيات الجمالية التي تجمعها صناعة السينما فهي، حسب الكلمة، قادرة على تخليد نضالات الشعوب، وأضاف مؤكدا أن أفلام الثورة الجزائرية التي احتفت بنضالات الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي لأكبر دليل على كون السينما رفيقة لهموم الإنسان أينما كان وهاهي الجزائر تتطلع بثقة الى الغد مدفوعة برغبة أبنائها في إتمام أجمل اللوحات التي بدأت الأجيال السابقة رسمها.
واختتم بوضياف والى وهران كلمته بالتأكيد على أن المهرجان يجسد اهتمام
الدولة الجزائرية بكل رافد جمالي له فعله السحري والتوعوي .
أما السيدة ربيعة موساوي محافظ المهرجان فأشارت في كلمتها الى أن مهرجان
وهران للفيلم العربي في دورته السادسة يكرم فنانين وثقوا لهدا الوطن بالصورة وناضلوا بها وأعلنوا عن ميلاد السينما الجزائرية على وقع الرصاص وفي الجبال فكانت الصورة خير ناقل لمعاناة الإنسان الجزائري، وهي تعرف العالم على سطوة المستعمر وتفضح أساليبه، مظهرة قوة الشعب الجزائري وصبره وإيمانه بقضيته الوطنية. وأضافت ربيعة موساوي مديرة المهرجان أن السينما الجزائرية ولدت على يد جيل من المناضلين الدين استطاعوا تحرير السينما ومنحها حرية فريدة، وانطلاقة سلمية فسارت على خطي متزنة وملتزمة واستطاعت أن تخرج هده السينما من إقليميتها الى العالمية.
واختتمت ربيعة كلمتها قائلة: إنه على الرغم من أن ولادة السينما الجزائرية كانت صعبة لانها كانت في قلب معركة التحرير، إلا أنها تركت بصمات في تحولات المجتمع الجزائري وواكبت تغيراته وتطلعاته الى الحرية والعدالة والسلم، وأسهم صناعها في تحديثه وبناء معالمه.
أما الكلمة الختامية فكانت للرئيس الشرفي للمهرجان أحمد بجاوي الذي وجه كلمته ' لأصدقائه السينمائيين ' معبرا فيها عن شكره لإدارة المهرجان على اختياره رئيسا شرفيا له، مؤكدا على فخره واعتزازه بهدا الاختيار، كما أضاف بأنه فخور بالحب الذي يكنه للسينما العربية التي دافع عنها مند استقلال الجزائر أمام الجمهور العربي والأوروبي، كدلك عبر بجاوي عن فخره برؤية مهرجان وهران يعكس عبر شاشاته وفي عيون عشاق السينما سير المجتمعات العربية نحو التقدم والحرية.
واختتم بجاوي كلمته بالقول: إنني مفعم بالفرح لكون المهرجان يقام في وهران الجميلة، المدينة التي درست بها مند الاستقلال، أصبحت المكان الحنون الذي ترعرعت في أحضانه.
في الوقت نفسه شهد حفل الافتتاح تكريما لعدد من رموز السينما الجزائرية جاءت على رأسهم الفنانة نورية قصدرلي المولودة في العام الحادي والعشرين وتسعمائة وألف، وقد عملت نورية بالفن في الثانية والعشرين من عمرها وقدمت أعمالا مهمة للسنيما والمسرح الجزائريين مثل: خالد وشمشون الجزائري، نكار الخير، ما ينفع غير الصح، زواج بالتليفون. كذلك كرم المهرجان الفنان سيراط بومدين الذي ولد عام سبعة وعشرين وتسعمائة وألف ورحل في عام خمسة وتسعين من القرن الماضي ويطلقون عليه رجل الفن الدرامي الجزائري بامتياز. كذلك كرم المهرجان الفنان والمخرج الفرنسي روني فوتيي الذي ارتبط بمجريات الثورة الجزائرية وظل مدافعا عن تحركات المجاهدين الجزائريين حاملا أداة نضاله 'الكاميرا' ليوثق مجازر الاحتلال الفرنسي حينما كانت يده العمياء تضرب القري والمداشر . أيضا تم تكريم الفنانة الجزائرية عائشة عجوري كلثوم التي ولدت عام ستة عشر وتسعمئة وألف ورحلت عن دنيانا عام ألفين وعشرة، وهي فنانة تقول بطاقة تعريفها ان الذي اكتشف موهبتها هو عميد المسرح الجزائري محيي الدين بشطارزي عام خمسة وثلاثين وتسعمئة وألف ومع انطلاق أول أوبرا جزائرية أسند لها الأدوار الأساسية في مسرحه وحملت كغيرها من الفنانين الجزائريين مشعل الثورة حتى نهاية أيامها . كما تم تكريم أستاذ الأدب والمؤرخ المعروف بوعلام بسايح الذي ولد عام ثلاثين وتسعمئة وألف وهو واحد ممن أثروا المكتبة الجزائرية بمجموعة من المؤلفات التاريخية والأدبية المهمة وأبرزها بحثه المعمق عن حياة الأمير عبد القادر الجزائري.
كدلك تم تكريم الفنانة الجزائرية زهرة ظريف بيطاط المولودة عام أربعة وثلاثين وتسعمئة وألف وهي أرملة المناضل الجزائري رابح بيطاط وقد شاركت في النضال الوطني بل وقامت بعدد من العمليات الفدائية وطوردت من قبل قوة الاحتلال.
أيضا تم تكريم المخرج والناقد محمد بن صالح، وهو أستاذ بالجامعة الجزائرية وتخرج من المعهد العالي لفنون النشر ببروكسل وكان عضوا بالمجلس الأعلى للسمعي بصري ومستشارا للاتصال بمكتب الوزير الأول وأستادا لمادة السينما بالجامعة الجزائرية، وهو حاليا يعمل كأستاد باحث بمركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية بجامعة الالسانية بمدينة وهران.
أيضا تم تكريم السينمائي الإيطالي 'جيلو بونتيكورفو' وقد أخرج جيلو عددا كبيرا من الأفلام الطويلة منها : رجل يدعي سكواتشيو، كما أخرج الفيلم العالمي المهم معركة الجزائر، أيضا تم تكريم الباحث الحاج بن صالح الذي شغل موقع مدير متحف السينما الجزائرية ولازال حتى اللحظة يقدم خدمالت جليلة للسينما الجزائرية، أيضا تم تكريم الممثل والفنان رشيد فارس الذي رحل في العام الجاري، وقد شارك رشيد في العديد من الأفلام الطويلة والعديد من المسرحيات المهمة، وكان المسرح الجهوي بمدينة وهران قد شهد صباح السبت مؤتمرا صحفيا موسعا لإدارة المهرجان قدموا خلاله إجابات لكل الأسئلة التي وجهت اليهم حول وقائع وفعاليات المؤتمر، في الوقت نفسه شارك العديد من النجوم في المهرجان بينهم نجوم السينما المصرية سامح الصريطي، رانيا فريد شوقي ووفاء الحكيم.
يشارك في المهرجان حوالى خمسة عشر فيلما طويلا وأكثر من عشرين فيلما قصيرا، وسوف تبدأ العروض تتوالى اعتبارا من صباح الأحد اليوم التالي لحفل الافتتاح.

أصدقاء ديونيزوس

صلاح بوسريف
الشِّعر، كان، دائماً، خارج سياق المألوف. لم يكن قاعدةً ولا اتِّفاقاً، بل إنه، هو ما تتأسَّس به القاعدة، أو منه تخرج، بما يقترحه من صيغ وأشكال، وطُرقِ كتابةٍ.
اختارَ أصدقاء شُعراء، أن يؤكِّدوا هذا المعنى، بالاجتماع مرة كُلَّ شهر، للاحتفاء بشاعر، أو بكاتب، في سياق، هو غير سياق اللقاءات المفتوحة على الجمهور العام، ثمة شعراء، ونُقَّاد، وقصَّاصون، وصحافيون، ومُدَرِّسون، وموظَّفون، لا ينتمون بالضرورة للأدب، أو تخرَّجوا من كلياته، بل هم مُحِبُّون للشِّعر وللكتابة، كلهم يأتون لنفس المكان، في نفس الموعد، لِلِّقاء، وللاستماع، والاستمتاع بغوايات الكلام، وفِتَنِه، وفق تعبير الجاحظ الذي أدرك، منذ زمن بعيدٍ، أن فتنة الكلام، أو القول، هي بين الفتن التي تَسْحَر الإنسانَ، وتَهيمُ به.
لقاء شهر نوفمبر، كان بصحبة الشاعر محمد بنطلحة، الذي كان، دائماً، مواظباً على كتابة الشِّعر، وكان بين الشُّعراء المغاربة، القلائل، الذين اختاروا البحث والاشتغال الشِّعْرِيَيْن، من دون الالتفات إلى ما يُفْسِدُ الشِّعرَ، أو يجعل منه، وسيلة للذهاب لِما لا صِلَةَ له بالشِّعر. كان اللِّقاءُ لحظةَ الْتِفَافٍ حول شاعرٍ واحد، وهو الْتِفاف، في الحقيقة، حول الشِّعر والشُّعراء، وتعبير عن الحاجة الماسَّة للشِّعر، الذي ليس مجرَّد كلام، فيه خيال، أو تعبير عن نزوةٍ، مما نعتبره من نزوات الشُّعراء، وحماقاتهم! بل باعتباره بين أهم ما أعادَ به الإنسان صياغة الوجود، وإدراكه، بطريقة، لم يكن الكلام العام، قادراً على تَمَثُّله، كونه بَقِيَ، في تعبيراته، خارجَ، المجاز، الذي كان أحدَ مُمْكِنات، وضع الوجود في سياقه الجمالي والمعرفي، وهو السياق الذي لا يمكن بدونه فهم معنى الكينونة، ولا شروط وجود الكائن، ليس باعتباره قيمةً زائدة، بل باعتباره قيمة القيم، وأساس الوجود البشري على الأرض. بهذا المعنى يكون ديونيزوس، هو الغمامة التي اسْتَظَلَّ بها الشُّعراء، ليس في ما حَمَلَتْه الميثولوجيات القديمة، فقط، بل وفي ما خرج منه الشاعر العربي نفسه، حين فتح الشعر على كل الأفكار والموضوعات، من دون تَحَفُّظ، أو مُراوغة. ولعلَّ ما كان تركه والبة بن الحُباب، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، هو تعبير ديونيزوسي، لكن في صورته العربية، التي انتصر فيها الشِّعر للحرية، وللخيال، وللاختيارات الجمالية التي كان شعر هؤلاء اعتبرها بين ما يحكم 'قواعد الشِّعر'، وفق تعبير ثعلب، في كتابٍ له بهذا العنوان.
كان اللقاء، بالنسبة لي فرصةً، لمصافحة الأصدقاء، وللاطمئنان على صداقة الشُّعراء، وعلى محبَّة الشِّعر، التي تَحْدُث في صمت، أو في غفلة من اتِّهام الشِّعر بالفناء، أو بالأزمة، في أقل تقدير، واعتبار الزمن، هو غير زمن الشِّعر. وكما أشرتُ في كلمتي التي ألقيتُها في اللِّقاء، فالشعر لا يُقرأ دُفْعَة واحدةً، مثلما يحدث في الرواية مثلاً، بل إنَّ الشِّعر يحتاج لمرافقة دائمة، ولاستعادة النص، باستمرار، لأن شعريته، وهذا ما يحدث في الروايات الكبرى، غير متاحة بشكل سطحي وسريع، فهي شعرية مُتمَوِّجَة، ومُلَبَّدة، بكثير من الدَّوَالّ، التي لم تعد هي نفس دوالّ النص القديم، الذي عملت المدرسة، أو المؤسسة، على تكريسه في الذوق العام.
لا يحتاج الشِّعر لجمهور كبير وغفير، الشِّعر يحتاج للتَّأمُّل والإنصات، كما يحتاج للقراءة الهادئة، وإلى الصبر في البحث عن مجهولات النص، وما يحفل به من دلالات، ومن سياقات معرفية وجمالية. وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه أصدقاء ديونيزوس، في ليلة نوفمبر التي كان فيها بنطلحة، هو صديق الحاضرين، من دون استثناء.

( القدس العربي )