اتجاهات أسعار النفط ... رؤية معتدلة
موضوع النفط يعتبر أحد أهم القضايا التي يُعنى بها العالم فيما يتعلق بهمومه الاقتصادية، فقد أصبح اليوم شريان الاقتصاد الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فمعظم المنتجات تعتمد على النفط كوقود أو كمكون للمنتج نفسه فيدخل في جميع الصناعات دون استثناء، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة في العالم من قبل المراكز العلمية والشركات الكبرى بغرض إيجاد ولو بديلا جزئيا لوظائف النفط إلا أنها لم تصل إلى ما يمكن به الاستغناء ولو جزئيا عن النفط، ما جعل حجم الطلب العالمي على النفط يتزايد بدلا من أن يتجه إلى الانخفاض.
خلال الأشهر الماضية حدث للنفط تغير كبير ومفاجئ في الأسعار فبعد أن استمر لفترة طويلة تراوح أسعاره في حدود الـ100 دولار، انخفضت الأسعار إلى ما يقارب النصف حيث أصبحت حاليا دون 50 دولارا، وبعد هذا الانخفاض أصبحت بعض المؤسسات تتكهن بأن الانخفاض قد يستمر إلى ما يقارب 30 دولارا، أو أن البعض الآخر يتحدث عن استقرار الأسعار لمدة طويلة، وقد يحدث شيء من الارتفاع ولكن بعد مدة طويلة نوعا ما.
ورغم أن هذه المؤسسات تعتبر مؤسسات عالمية ومرجع لكثير من المستثمرين في اتخاذ القرار، إلا أن ذلك لا ينسينا التكهنات التي صاحبت ارتفاع أسعار البترول حين بلغ 150 دولارا حيث توقع البعض أن الأسعار قد تستمر في الارتفاع، ولكن الذي حصل هو أنها تراجعت بعد ذلك ولم تصل لتلك الأسعار ما يجعل الاعتماد على هذه التكهنات يؤدي إلى القلق لدى المنتجين ولكن التحليل الأكثر شمولية هو الذي يمكن أن يعتمد عليه بصورة أكبر، حيث يكون التحليل أكثر تفصيلا لحالة الطلب والعرض مع استصحاب حركة الأسعار تاريخيا واستشراف للمتغيرات المستقبلية.
كلمة الأمير عبدالعزيز بن سلمان نائب وزير البترول والثروة المعدنية في اجتماع الطاولة المستديرة السادس لوزراء البترول والطاقة لدول آسيا الذي انعقد في الدوحة في الـ26 من شهر المحرم لعام 1437هـ استشرفت مستقبل أسعار النفط بناء على نظرة أكثر شمولية أخذت بالاعتبار حركة الأسعار التاريخية مع مقارنة ذلك بتقلبات أسعار النفط الحالية ففي الفترة بين 1980 و1984 التي شهدت تقلبات حادة لأسعار النفط مع المقارنة المنطقية بين حجم الفائض من المعروض في تلك الفترة من جهة الحجم ونسبته مقارنة بالطلب في ذلك الوقت وبين الحالة التي نعيشها حاليا، حيث ذكر أنه في عام 1985 بلغت الإنتاجية غير المستغلة حينها عشرة ملايين برميل حين كان الاستهلاك العالمي قريبا من 60 مليون برميل يوميا أي بما يعادل 17 في المائة من حجم الاستهلاك، في حين أنه في عام 2015 وهو العام الحالي بلغ الاستهلاك العالمي ما يقارب 94 مليون برميل يوميا في حين أن الطاقة غير المستغلة تقدر بمليوني برميل أي ما يعادل 2 في المائة فقط، وهذا يعني أن احتمال انخفاض الأسعار بالوتيرة نفسها في عام 2015 مقارنة بعام 1985 احتمال ضعيف جدا، كما أن المتوقع أن يستمر الارتفاع في حجم الطلب على النفط حتى مع وجود بدائل إذ أنها حاليا لا يمكنها أن تحل بديلا للنفط كما أنها ما زالت في وضع تنافسي ضعيف معه.
كما أن الكلمة أشارت إلى قضية مهمة كانت تلازم المملكة كتهمة بأن هناك أبعادا سياسية كانت سببا في الانخفاض تريد به المملكة الضغط على أطراف أخرى والتأثير عليها اقتصاديا بسبب الانخفاض في الأسعار في الوقت الذي كانت المملكة مصرة على الاحتفاظ بحصتها في منظمة أوبك، باعتبار أن عودة الأسعار للمستويات العادلة وارد في أي وقت، لكن التفريط في حصة المملكة السوقية سوف يؤثر عليها مستقبلا عندما تعود الأسعار إلى مستويات جيدة.
لا بد من الإشارة إلى أمر مهم ويعتبر مؤثرا في أسعار النفط حاليا وفي المستقبل، وهو حركة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى حيث إن ارتفاع الدولار بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية كان له أثر في انخفاض أسعار كثير من السلع والمعادن إضافة إلى أسعار الطاقة، فنسبة انخفاض النفط بعملات أخرى مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني أقل بصورة واضحة إذا ما قورن ذلك بالدولار، واتجاه أسعار الدولار سيؤثر في أسعار النفط مستقبلا.
فالخلاصة: إن توقعات بعض المؤسسات المالية السلبية تجاه مستقبل أسعار النفط يلاحظ عليها شيء من عدم توضيح أسباب ذلك برؤية شمولية كافية، ولذلك لا يمكن الاستناد عليه فيما يتعلق باتجاه أسعار النفط في المستقبل ولعل كلمة الأمير عبدالعزيز بن سلمان كانت أكثر شمولية في تحليلها لمستقبل أسعار النفط لمقارنتها بوقائع تاريخية مع استشراف حجم نمو الطلب مستقبلا.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews